الأحد، 15 أغسطس 2010

رابطة العالم الإسلامي ما بين عهدين أبو الخيرين وأبو النورين "مجلة الرابطــة"

              

مجلة الرابطــة
لعدد 529 - شعبان 1431هـ

التحديات العالمية بين حقبتين هي التي تحدد مسار إنشاء ما تمليه هذه الحقبة أو تلك، ففي عام 1381هـ في الرابع عشر من ذو الحجة الموافق 18 مايو 1962م أسس المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز أبو الخيرين رابطة العالم الإسلامي تلبية لما كانت تحتاجه الأمة الإسلامية في ذلك الوقت من حلقة تربط هذا العالم الذي كانت أعداده تتزايد يوماً بعد يوم وتتجاذبه صراع قوات وأنظمة إقليمية ودولية تنادي بشتى أنواع الأنظمة والأحكام التي لا تمت للإسلام بشيء من شيوعية وإشتراكية وحزبية وغيرها من الأنظمة الدخيلة على مبادئ الحكم في الإسلام ، وببصيرة ثاقبة وسابقة لأوانها تنبه الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، بأن الوقت قد حان لإنشاء مجلس يضم فقهاء وعلماء العالم الإسلامي لتوضيح هذه الرسالة العالمية ويعزز الأنظمة التي تحكم بشرع الله واستبعاد الأنظمة التي إنحازت إلى التقلبات العالمية من أفكار ومعتقدات أضلت الطريق وأضاعت الهوية بانقيادهم للتناحرات الدولية التي أضاعت الكثير من هويتنا الإسلامية وبالتالي نشأ جيل جديد من الأنظمة والشعوب التي تنادي بأنظمة لا تمت لديننا بشيء لا من قريب ولا من بعيد . لذا كانت اللحظة التاريخية مناسبة لجمع شتات المسلمين في كل مكان والحث على توحيد الكلمة والمسار الذي أرساه محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم من قبل ثلاثة عشر قرناً في ذاك الوقت فتكونت الرابطة التي ربطت العالم الإسلامي بأحكام موحدة لنشر قيم الإسلام في أرجاء المعمورة ، من سلام وتسامح وإعمار للأرض ومحو الجهل، وتهذيب القيم المدمرة لعالم تجاذبت فيه القوى العظمى على إحتواء النظم العربية الإسلامية وتسييسها على حسب ما تراه ، لا ما نراه ولا هي من مبادئ الإسلام القيّمة الباقية ، المرسلة لكل زمان ومكان ، فكانت المهمة صعبة والأهداف واضحة ولكن الطريق كان غير ممهد ولكن من ينصر دين الله ينصره الله واستطاعت هذه الرابطة أن تكون وتفرض وجودها على الساحة العالمية بواسطة جهود الملك سعود رحمه الله ثم علماء وفقهاء ذاك الزمان المبصرين ، وقبلوا التحدي وأبصرت هذه الرابطة النور في طريق كان مظلماً وتحفه المخاطر العالمية .

فعبر السنين إنعقد لهذه الرابطة أربعة مؤتمرات ففي عامها الثالث بعد التأسيس إنعقد المؤتمر الثاني عام 1384هـ الموافق 1965م الذي كان من أهم توصياته التأكيد على دعم فكرة الثقافة الإسلامية وإزالة العقبات التي تعتريها من ضعف الوازع الديني وإزدياد النعرات المذهبية وتنافر المصالح الإقليمية والنفوذ الأجنبي في عهد الملك فيصل رحمه الله ، فقد أثبتت هذه الرابطة وجودها وازدياد تأثيرها على المحيط الذي أسست من أجله وتنامى نفوذها وسلطتها وأصبح العالم ينصت باهتمام لتوصياتها . ثم انعقد المؤتمر الثالث في عام 1408هـ الموافق 1987م في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله الذي كان من أهم توصياته ضرورة الإيمان بقدسية الحرمين الشريفين ، وتعظيم مكة المكرمة والتوصية بتوضيح وتوثيق معاني الأشهر الحرم وشعائر الحج كما جاءت في القرآن والسنة النبوية ، والنداء العالمي للرابطة بأن أمن الحرمين مسئولية ولي أمر البلاد كأمانة إلهية وشرف في الدنيا والآخرة ، والتهديد لمن لا يسمع إلا هذه اللهجة بأن من يمس أمن الحرمين فإنه يمس العقيدة في أساسها ومن يخالف ما أمر الله به بإعطائه شرف هذه الأمانة هو الذي سيحارب من قبل المسلمين أجمعين ، وكان تثبيتاً لما يمر به العالم الإسلامي من تحديات دولية تلاها المؤتمر الرابع الذي عقد سنة 1423هـ الموافق 2002م أيضاً في عهد الملك فهد رحمه الله والذي كان من أهم قراراته الدور الدعوي الذي كان من أولويات هذا المؤتمر وكيفية التصدي للعولمة في ذاك الوقت التي كانت تعاني من التخلي عن الهوية والعقائدية ، وركز على القضايا الإسلامية من التفرق والتشتت في الرؤيا ، كما كان للرابطة وقفة جلية تمثلها إصدارها لميثاق مكة للعمل الإسلامي ، وأصدر بيان بشأن وضع فلسطين الشائك وأصدر قرار بتكوين هيئة عليا للتنسيق وملتقى عالمي للعلماء والمفكرين المسلمين في العالم وضمهم تحت راية الرابطة ، كما أوصى بصيانة المساجد وتوثيقها .

أما اليوم وبعد خمسون عاماً من إنشائها أصبحت رابطة العالم الإسلامي أمام تحديات أكبر ومطالبة بدور أكبر ، وبسلطة أعظم ، وصوت أعلى لما تمر به أمتنا الإسلامية من هجوم متعدد الاتجاهات الإقليمية والدولية حيث بات الهجوم في ساحة المعركة بدون هوادة على مر الساعات والأيام .

لذا فإنعقادها في هذا الوقت ، وتأثير قراراتها وتفعيلها فعلياً لا إعلامياً هي من أهم أدوارها عبر السنين لأن التحديات أكبر والأخطار أكثر ، والتناحر بين المذاهب أصبح يهدد تلاحمنا وإسلامنا وسكينتنا ودورنا وإتحادنا تحت راية لا إله إلا الله .

فعامها الخمسون يقابله خمسون ألف قضية وقضية تريد الحل والأسباب والتفعيل المعنوي والمادي . خمسون عاماً من التحديات ترسو على شاطئ عهد أبو النورين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فالنور الأول هو في بصيرته النفاذه في اصطياد المخاطر بعين صقر محارب، والنور الآخر هو السير في طريق غير اعتيادي وإعطاء الحلول في عالم أضل طريق الحقيقة ، والسيرة النبوية ، عالم اختلطت عليه الأمور ، وأصبح دمية تتلاعب بها أمواج الأفكار الدخيلة على الإسلام والفتاوي التي أصبحت على كل لسان والإرهاب الذي أصبح موصوم بالإسلام، والتشدد الذي أصبح النتيجة الحتمية للانحلال ، فمهمة رابطتنا أصبحت من المستحيل تفعيلها، إلا إذا مهدت لها الطريق من قبل قادة الدول الإسلامية، بمد الأيادي للقوة والاتحاد وهذا من مهمات عبدالله بن عبدالعزيز الذي يسعى لها حثيثاً في الليل والنهار ، ويجوب الأرض باحثاً عن الحقيقة ، والتأييد ، والحوار، لتعزيز عمل هذه الرابطة، لتأدية دور من أصعب الأدوار ، وهو ربط العالم الإسلامي في هذا القرن بما فيه من تحديات والوقوف أمام الهجوم العقائدي الذي يهدد الأمة الإسلامية ويفكك الرابطة والحلقة التي جمعتنا من أول يوم للبعثة النبوية ، وهي توحيد الكلمة تجاه أولئك الأعداء المتربصين بالدين الإسلامي منذ نشأته ، ووعودهم بالتربص بنا حتى قيام الساعة .

لذا فإن دور الشعوب الآن والحكومات هي نبذ الاختلاف وتوحيد الكلمة لمجابهة المفاهيم المغلوطة التي تندس بين أمتنا لتصبح جزءاً من عقيدتنا ونحن منها براء .

ودور رابطتنا هي الربط بين الأمم وجعل هذا القرن هو الذهبي بقيادة رجل ذو صفات نادرة من أنوار في البصيرة ، وأخلاق محمدية عفا عليها الزمان منذ زمن .

فليكن عامك الخمسون هو عام التميز والقوة في عالم التناحر والانهزام أيتها الرابطة الإسلامية ، فإسمك لا يحتمل التأويل ولا الزيادة في التعبير لأنك تحملين أسمى المعاني وأفضل الرسالات الإلهية وهو الإسلام الذي شرفنا به رب البرية .

مما أتمناه من الرابطة أن تربط مواعيد الأعياد الإسلامية في توقيت واحد وخاصة مواقيت الحج وأن توحد مواعيد دخول شهر رمضان بوقت واحد خاصة للبلدان التي تكون مجاورة لبعضها في عالمنا الإسلامي لجعلها فرحة واحدة وخاصة ، وأن لا نختلف لمجرد محبة الاختلاف ونظهر للعالم متوحدين في أعيادنا أما الحج فهو وقت معلوم للحاضر والغائب والمفروض أن يكون متواكباً مع الوقفة في عرفة ، فأي دين سيحترم مواعيد مناسكه لا مثبتة ضائعة بين الأهواء السياسية . كما أتمنى أن أرى مركز لتوحيد الفتاوى الإسلامية وتثقيف المسلمين على إجماع العلماء في المواضيع التي باتت لعبة شخصية كل يفتي على حسب أهوائه وليست لديهم مرجعية حتى المفتي العام للدولة التي عينه الحاكم فليتولى مجمع الفقه التابع للرابطة هذه المهمة ليقوم بدور أساسي بتوحيد الرؤية الوسطية لهذا الدين الذي بات منبراً لكل من يريد أن يشتت تعاليم هذا الدين كل حسب أهوائه السياسية والانفراد بالساحة وبالتالي لا حوار ولا تلاقي .

الرابطة تواجه تحديات عالمية تستهدف محو مرجعيتنا وهي السيرة النبوية في محاولة لتصبح منهجية تناحرية على الدوام .

أتمنى من الرابطة الرجوع إلى الأصول والجذور ولتنقى الأجواء الدينية من الانفرادية والاجتهاد الذي في غير محله . لتضم وتجمع المفتين للحوار والظهور العالمي بكلمة واحدة وهي الوسطية إتباعاً للسنة النبوية .


الله يرعاك يا مليكنا ويضيء لك الطريق بأنوار الإلهية ببصيرة الصقور وشجاعة الأسود لجمع الشمل وتوحيد الكلمة، وجعل الله اليوبيل الذهبي للرابطة عهد جديد الماسي ليمارس رسالة الشفافية، عنوانه التوحيد، وهدفه الرجوع إلى الأصول ونبذ الفروع لنلتقي جميعاً ونسير في طريق واحد وهو ما أراده الله ثم رسوله لنا : خير أمة أخرجت للناس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق