رجل ليس ككل الرجال ,
رجل دين و دنيا ,
رجل السلام و الأسلام ,
أخترت أن أكتب عنه ,
عن احمد الطيب شيخ الأزهر الفريد من نوعه في هذا الزمان .
رأيته أنسان بعهد اللا أنسانيه ,
رأيته كمسلم في زمن اللا أسلام ,
فكتبت عنه بعد مقابله تمت و أجريت منذ سنتان فلم أنشرها لسبب ما و رأيت الآن أنه قد آن الأوان للأناطه بهذالأنسان و التحدث عن شخصية هذا الرجل الفذ في هذا الزمان .
بروفايل..
د. أحمد الطيب
رؤية وقلم / بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
قبل عام تقريبا كان لي شرف اللقاء بعلم من أعلام وعلماء الدين، وروح الوسطية والاعتدال، وآن الأوان للتعريف عن هذا الرجل الذي ربما لا يرى فيه كثيرون سوى تلك العباءة الأزهرية ونبرته الهادئة المُطمئنة والمطمئِنة في آن..
في مبنً شيد على عهد جوهر الصقلي في العصر الفاطمي وأسس كأول عمود وسقف للمرجعية الإسلامية، ثم مر بعد ذلك بتحولات مذهبية على مر العصور على حسب منهج الدولة المسيطرة إلى أن استقر على السنة الوسطية وضم بحنان جميع المذاهب الإسلامية ، باب مشيخة الأزهر مطل على جبل المقطم ألوانه ترابية ، أجوائه صحراوية، وجوه مفعم بعبق التاريخ والمذاهب الإسلامية.
كم من الشخصيات المؤثرة ، والعهود المنيرة مرت عبر دهاليز هذا الصرح الذي صارع الزمان والمكان ليبقى شامخا أبيا، منبر علم وعلوم ودراسات وحلول لأمة أصبحت تتجاذب أطرافها جهتان مختلفتان من التشدد والوسطية.
دخلت الباب من مصراعيه لأجد إنسانا وليس منصبا رنانا ، وجدت تاريخاً وبصيرة، وعمقاً ، قلما تجده في رجل، توجهاته وحياته ومساره ديني بحت،فبدأت بالسؤال عن الرجل وراء المنصب، عن شخصية أحمد الطيب وما وراء الوجه الأزهري حيث موضوعي هو الوجه الآخر لهذه الشخصية.فقال ممازحا: أرجو ألا أكون ذا وجهين، فأجبته بسؤال آخر وقلت له: وهل منا من ليس له وجهين، إني أبحث عن الوجه الآخر لأحمد الطيب الإنسان، فبادئني بابتسامة ،وألقى علي كلماته السمحة، قائلا: سعدت وتشرفت أن ألتقي بمحاورة وإنسانة ذات اسم غني عن التعريف، وإنسانة ذات علم وانفتاح ومعاصرة لهذا الزمن، وسأجيب سؤالك الأول عن نفسي فانا من مواليد 46 السادس من يناير كان يوم أحد فجرا، ودائما أقول للمسيحيين أنا من مواليد السيد المسيح، وقبل أن أتكلم عن الأصول هنا في مصر لا أحبذها كثيرا، وانطلاقا من الإسلام الذي علمنا أن الناس سواسية، ولا فضل لأعرابي على أعجمي إلا بالتقوى، فسألته عن مدى تعمق هذه المشكلة في مصر الشقيقة ، فأجاب : إن هذه العادة جرت على المسلمين والمسلمات شرا مستطيرا ، وخاصة في الصعيد حيث الطبقية العائلية حولت البنات إلى عانسات، واسترسل قائلا عن أصوله وتربيته: أنا شريف نعود إلى الحسن كرم الله وجهه، أصولنا من الجزيرة ثم إلى فاس في المغرب ، وأسرتي متمسكة بالأصول وللأسرة كتاب خاص، فجدنا الأكبر حسان كان زميل السيد البدوي، ولست متمسكا بالأنساب، وشرف النبي صلى الله عليه وسلم كان في النبوة.
أما في تربيتي ، فقد نشأت في بيت صارم جدا، يميل إلى الزهد والتصوف، وقد عانيت كثيرا ، فقد ولدت في قرية "القرنة" من الضفة الغربية للنيل والتي تضم ثلث أثار العالم القديم ، فمنذ الطفولة تفتحت عيوننا على نقائض المجتمعات، من زوار أوربيين وأمريكان، وهذا أفادني فيما بعد، فإنني تلقيت وتعلمت وتدربت منذ نعومة أظافري أن أقف بوجه المغريات للمجتمعات الأخرى بكل تناقضاتها ، فهذا تدريب تلقيته منذ الصغر.
متوسط الطول، عمامته البيضاء فوق وجه تلوح عليه سمرة الصعيد المصري ، هذه سمات الشيخ الأزهري الجديد، بسيط في مشيته ، عيناه تشع منهما بصيرة وحدة ونقاء ، فراسته للوجوه جعلته يتأمل المقدمين عليه من غير رتوش ولا استحياء بل بنفاذ بصيرة ، ونقاء سريرة، ابتسامته غامضة ومضيئة جعلت من اللقاء ساعات مريحة ، نشأت في بيت متدين، فوالدي من العلماء وتربى في الأزهر، وجدي كذلك وكان متفرغا للعبادة ، يبيت الليل يصلي، وكان يحمل في أواخر أيامه إلى المسجد وتوفي عن عمر يناهز 110 سنة، ولكنه كان حاضر الذهن، ووالدي كان عالما أزهريا ، ويوجد لي من الأخوات ستة، وأخ أكبر مني وأخ أصغر ولكنه توفي.
فاسترسلنا في الأحاديث ، وبحثنا في ماض له شجون، نشأته كانت بين أهرامات التاريخ، وجبال نحتت فيها معابد الحضارات الخالدة، وفي قرية نائية بسيطة تصبح مع انبلاج الفجر وصياح الديك ، لتبدأ قصة رجل رسم له منذ البداية خط مقدر من الرحمن الرحيم، نومة على الحصير ، تقشف أملته عليه ظروف العائلة والمحيط ، مع أن الأسرة ميسورة بمقاييس الزمان والمكان، إلا أن الجد وضع منهجا دينيا حازما ، وطريقة حياة مبنية على الزهد والتعمق في أشرف الأديان، وعلى نهج سيرة المصطفى عليه السلام.
ثم تلاه الابن على نفس المنهج وقد حاول في يوم من الأيام في تلك الحقبة أن يتبع منهج العلوم والدين والدنيا، ولكن الجد أبى وأطاعه الابن، وسار في نفس النهج ، ثم ولد الإمام الأكبر شيخ الأزهر ، وهو ثاني إخوانه في هذا الجو المعبق بجو من الزهد والبساطة، والانفتاح للآخر ، مع بحور من العلم ورثها من الأجيال السابقة ، فكان دائما مذهولا من مكتبة والده التي ضمت كل المعارف والعلوم، فها هو الصغير ينشأ في كنف عائلة اتخذت من الدنيا درسا وموعظة ومسار عبور واجتهاد للعالم الآخر. والدي متقشفا ويبقى أحيانا لشهرين لا يشرب الماء، ويكتفي بكوب من اليانسون كل صباح، وكان نحيلا لا يأكل إلا قليلا،و لكنه كان مقتنعا بهذا الأسلوب من حياة التصوف.
ذو ذهن مستنير ، ينظر إلى العالم كواحة علوم يريد أن ينهل منها ما استطاع، فمنذ نعومة أظافره تعود على التقشف بكل حذافيره، نومة على الأرض وفراش من حصير ينام مع عائلته بين الفقراء والزهاد الذين كانوا يؤمّون هذا البيت المشهور بالضيافة ولو على لقمة فول وطعمية وعسل ، يتشارك فيها الجميع، ويحمدون ربهم على هذا العطاء من غير نظرة عدم اكتفاء ، فنشأ وترعرع ببساطة أهل الريف وبعلوم العظماء من السلف والمنهج الذي يزهد في الدنيا بوسطية ومنهجية مدروسة وبشفافية ملحوظة عما ورثوه من تعاليم نبوية وعلوم روحية للارتقاء بالروح إلى الطبقات العليا من الأخلاقيات والنظرة إلى ما بعد الفناء.
ويقول: فكان يحب القراءة المتنوعة التي لا تقتصر فقط على علوم الدين فيقول: كنت أقرأ الرافعي، وطه حسين ، رغم مواقفه الدينية، وقرأت للعقاد ، ولكن الرافعي شدني ، فقد كان عصاميا وكان يقف لطه حسين بالعصا، فقد كانت معارك أدبية بين العمالقة، وتعلمت منه عدم الخوف من الشخصيات الكبيرة ، ويسترسل بقوله: القراءة متعة ولا أذكر أني نمت بدون أن يكون الكتاب بين يدي، فلدي مكتبة كبيرة ولكنها ممزقة ، جزء في البلد وجزء في القاهرة.
محارب لم يعرف أنه سيوجد له في مستقبله معركة ، ولكن أباه تنبأ له برؤية صافية وحدد له مساره ، وإن كان شيخنا له مواهب وشجون، فيقول: من أثار دراستي الإسلامية هي دراسة المنطق والفلسفة، المنطق، وضوابط الفكر، وقواعد الجدل، وتعلمت من التصوف مفردات الحب ، فمنذ الصغر كانت حلقات الذكر والإنشاد فأصبح عندي إشباع روحي.
وفي مناطق أخرى في العلوم التي كان يريد الخوض فيها من مجال الطيران والهندسة، ولكن الأقدار، ومصيره المكتوب ساقه إلى طريق مرسوم له منذ أن كان في بحر الظلمات، وقبل أن يكون مضغة وجنين، فمولده وقدره مكتوب ومرسوم، ولكن هذا الاختيار لم يقف في طريقه للانتهال من جميع العلوم ودراسة وقراءة جميع الفلسفات القديمة والحديثة ، وحب المعرفة مما أدى إلى انتهاله من شتى أنواع الثقافات الغربية، وبصيرة نفاذة لعلومنا الإسلامية، فتوسعت ثقافته ، وحبه للغات حتى وصل إلى فرنسا، وانتهل من علوم المستشرقين إلى أن أحاط بكل وجهات النظر المختلفة بجبلتها بكل صفاء ذهني مع تعاليمه الأزهرية ذات الأطياف المتعددة، سافرت على غير رغبة الوالد إلى باريس ومرضت ، أصيبت بالصدمة الحضارية ، عندما رأيت امرأة تقود الأتوبيس ، وكان ذلك عام 73 م، وعندما تأكدت أن طائرتي عادت إلى مصر بكيت ومرضت ، وفي فندق اسمه ليبرتو تعلمت المقاومة والاعتماد على النفس، فقد كانت صاحبته تعاملنا بقسوة، مما أثر على صحتي ، فعدت إلى مصر ، وحصلت على الدكتوراه، وعدت مرة أخرى إلى فرنسا وأقمت مع أسرة فرنسية تعلمت منهم الثقافة واللغة وتعلموا مني مبادئ الإسلام، فقد أسلموا جميعا ، فلم أدعهم إلى الإسلام ولكن الحوار على طاولة العشاء والسلوك هو ما جذبهم بشكل عجيب.
فوصل إلى أرقى مكان في فهمه لتعاليم نبينا ولنهج القرآن وتدبر معانيه الأصيلة بسماحة ونظرة ثاقبة لا يفهمها ويتدبرها ويعيشها إلا من أعطي هذه المكانة من قبل رب العالمين ، فأصبح المحارب المهيب والسيف المضيء في عالم اضطربت فيه المفاهيم وقلبت فيه الموازين، ليدخل عالم السياسة الدينية التي عادت بقوة في هذا القرن، ولكن بشكل خفي يصعب على المرء العادي رؤيتها بشكلها الحالي لأنها أحيطت بعالم الفضائيات وسلطة الإعلام التي تحور الكلام والمعنى والمفاهيم إلى أحزاب وفئات ، وليس بفهم عميق للرسالة النبوية والتعاليم الإلهية ، فأصبح كل من عنده الوسطية يحارب بالأسلحة الخفية لتعلو أصوات التشدد والمفاهيم المغلوطة، فأصبح شيخنا الجديد يحارب على شتى الأصعدة والاتجاهات ليرسم خطا جديدا قديما ليحارب بعض الذين اتخذوا الدين سياسة لبلوغ قمم السطوة والسلطة في شتى أرجاء المعمورة. نسر يطير إلى قمم الجبال الأرضية وينظر بنظرة ثاقبة ليفهم اللغات والتوجهات العصرية ، ثم ينزل كالأنهار الجارية من قمم الجبال ليروي عطش كل من يريد انتهاج الوسطية.
عندما أرجع إلى القرية أعامل من قبل عائلتي كالأخ الأصغر الذي لا يحمل اسما أو منصبا ، فيؤمر من الأخ الكبير، واسمع وأطيع كاي ابن أصغر، عندها أحس بأني الإنسان ، وليس المقام ، فترتاح نفسي ، هذا ... منذ كنت صغيرا، ولا أعرف له بديلا في حياتي، وقريتي الهادئة، فأرجع بذاكرتي ، وأحن لأيام الطفولة مع كل ما تحمله ، من عذوبة وقسوة، وتعليم ولو كان مفروضا، فقد اتبعت طول حياتي ما يمليه علي أبي لأكون بارا، ولم أحظ بما أريده لنفسي أبدا، استراحته كانسان هي عندما يطير إلى عشه في قريته الهادئة ليعيش للحظات بين عائلته ، التي يشعر عندها بالطمأنينة والسكينة يلتحف الأرض والسماء ويفكر بالله القديم الأزلي، يتأمل في هذه اللحظات الخالية من زخرفة الحياة السياسية ليعلو بروحه ويتجول مع الكواكب ويسبح الله الواحد ، ويتأمل طريقه ويرسم منهاجه بزهده، قلما نجدها في هذا الزمان، ويستمد قوته من أكلة بسيطة مقوماتها فوم وبصل وقثاء، وبامية وملوخية مصرية أكلها آبائه وأجداده، وجبنة بلدية وخبز يعد على أيدي الفلاحة الصعيدية ، ببساطة وكأنه رجل لا يحمل الألقاب ولا يزدان بالمناصب، فيرجع إلى الأزهر بكل صفاء ذهن ونية، بعد استراحة محارب، ليصول ويجول ويتحدى بكل سكينة واطمئنان مع يقينه بأن دوره مرسوم ومعركته طويلة مع أهل السياسة والقرارات ، ليواجه العالم برؤية واضحة جلية عما تعنيه الوسطية بالإسلام فله رسالة واضحة وله مسار محارب، وله معارك قادمة ، لأنه وببساطة رجل اتخذ من العالم طريقاً وليس هدفاً للوصول إلى الدور الذي رُسم له من قبل أن يكون شيئا مذكورا . شخصية نادرة في هذا العصر، الرجل ذو العينين الحزينتين اللتين تحملان من ورائهما روح محارب بشخصية مسالمة يستعد للمعارك بهدوء وطمأنينة وسكينة ، صاحب رسالة واضحة للعيان ، إرساء السلام بين المذاهب والأديان والانتصر في معركة رسـمت له وعبدت بالأشواك والعقبات ،وفي النهاية سألته متى سترتاح يا شيخنا، وتنال ما تريد في حياتك وتطلعاتك، فقال لي: لن أستقر إلا في القبر، وهو الأمل المنشود، وشيعت أحلامي إلى الآخرة، لذلك لا أشعر كثيرا بتعب الدنيا، وأمرن نفسي على أنها سلسلة من المتاعب ، وكلما قطعت مرحلة بشيء من التوفيق استرحت للحظات ثم استمد القوة لأعاود من جديد... والعاقبة لمن اتخذ النصر هدفا والحرمة وسيلة والإخاء نديماً.
*كاتبة سعودية
نرجوا من قلوبنا ان يعود الازهر الشريف
ردحذفلمكانته ... وهى الصدارة كأكبر مركز تعليمى واكبر منارة متفتحة لنشر الثقافة الاسلامية وتوعية المسلميين