اعتمد سياسة الباب المفتوح
«الشورى» في عهد المؤسس .. حرية الأعضاء لِسنِّ الأنظمة والقرارات
''الاقتصادية''
من الرياض الإثنين،
23سبتمبر/ أيلول، 2013
انتهج الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله- في تعامله
مع مواطنيه سياسة قائمة على الشورى والتناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي
مسترشدا بما جاء به الدين الإسلامي. واعتمد في مداولته للأمور على مبدأ التعاضد
والاجتماع المثمر.
ففي الخطاب الذي ألقاه الملك عبد العزيز -يرحمه الله- في الجلسة
الافتتاحية لمجلس الشورى في السابع من ربيع الأول من عام 1349هـ الموافق الأول من
آب (أغسطس) 1930 يتضح مدى إدراكه لأمور الدولة صغيرها وكبيرها وحرصه التام على
تقدم هذه البلاد ورقي شعبها حيث يقول -يرحمه الله- مخاطبا أعضاء المجلس: ''إن
أمامكم اليوم أعمالا كثيرة من موازنة للدوائر الحكومية ونظم من أجل مشاريع عامه
تتطلب جهودا أكثر من جهود العام السابق وأن الأمة تنتظر منكم ما هو المأمول منكم
من الهمة وعدم إضاعة الوقت الثمين''.
وقد حرص الملك عبد العزيز -يرحمه الله- على إرساء مبادئ السياسة
السعودية من منطلق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف حيث أصبحت هي النهج الذي يتوخاه
في كل علاقاته وتعاملاته مع الآخرين ومن خلال هذا النهج اكتسبت السياسة السعودية
الصدق والوضوح الذي تسير عليه حتى اليوم في تعاملاتها مع جميع الدول.
وفي ذلك يقول الملك عبد العزيز مخاطبا أعضاء مجلس الشورى ومحددا لهم
الطريق الصحيح الذي يسلكونه والمنهج السوي الذي يسيرون عليه ''وإنكم تعلمون أن
أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سن كل نظام
وإقرار العمل الذي ترونه موافقا لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفا للشريعة
الإسلامية، لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيدا لأحد والضرر كل الضرر هو
السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
كلمات وضع فيها قائد الإصلاح وموحد هذه البلاد تعاليم الإسلام دائما
نصب عينيه ويعطيها الأولوية في جميع مناحي الحياة، فما يتفق مع الإسلام يأخذ به
وما يتنافى مع الإسلام يتركه غير مأسوف عليه.
ويواصل الملك عبد العزيز خطابه إلى أعضاء مجلس الشورى يحثهم فيه على
تأمين راحة الحجاج حيث يقول: ''ولا أحتاج في هذا الموقف أن أذكركم بأن هذا البلد
المقدس يتطلب النظر فيما يحفظ حقوق أهله وما يؤمن الراحة لحجاج بيت الله الحرام،
ولذلك فإنكم تتحملون مسؤولية عظيمة إزاء ما يعرض عليكم من النظم والمشاريع سواء
كانت تتعلق بالبلاد أو بوفود الحجاج من حيث اتخاذ النظم التي تحفظ راحتهم
واطمئنانهم في هذا البلد المقدس''.
وقد أدرك الملك عبد العزيز بثاقب بصره أن التلاحم والتواصل بين
القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن
والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيها.
ففي الحفل الذي أقامه الملك عبد العزيز في جدة في الـ 25 من محرم عام
1355هـ الموافق 17 من نيسان (أبريل) 1946 بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى
الرياض قال -يرحمه الله-: ''المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد ويطلع كل
منا على ما عند الآخر من جهة ومن جهة أخرى لنودعكم، لأننا على جناح سفر وسنغادر
هذا البلد قريبا وأنه ليعز علينا مغادرته، ولكن المصلحة تقضي بهذه التنقلات ثم
هناك مسألة أحب أن أشرحها لكم، لأن في نفسي منها شيء. أنا لا أحب أن أشق على الناس
ولكن الواجب يقضي بأن أصارحكم .. إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم
لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا
الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته وتحملوا إلى الشعب
أعمالنا ونوايانا .. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقا دائما، لأن هذا ادعى
لتنفيذ رغبات الشعب .. لذلك سيكون مجلسي مفتوحا لحضور من يريد الحضور.
أنا أود الاجتماع بكم دائما لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا وهذه
غايتي من وراء هذا الاتصال.
واستمرارا على نهجه في توجيه النصح للرعية وشرح ما لها وما عليها قال
-يرحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي الذي أقيم على شرفه بمناسبة
سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ الموافق 24 من نيسان (أبريل) 1936. ''إن
على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات .. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة
ومراعاة ما يرضي الله ورسوله ويصلح حالهم والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما
فيه رقي بلادهم وأمتهم.
إن خدمة الشعب واجبة علينا لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا ونرى أن
من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص.
ومن ذات المنطلق الذي أدار به الملك عبد العزيز شؤون بلاده ومواطنيه
بنى -يرحمه الله- علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين وأقام علاقات قوية مع
المجتمع الدولي.
وكان صريحا في تعامله مع جميع القضايا التي تهم أمته على جميع الأصعدة
وأثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في جميع
أقواله وأفعاله، فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدة والأساس القويم تسير عليها
المملكة في جميع تعاملها داخليا وخارجياً.
ففي الخطاب الذي ألقاه -يرحمه الله- في المأدبة الكبرى التي أقامها
لحجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة في 9 ذي الحجة عام 1364هـ الموافق 15 تشرين
الثاني (نوفمبر) 1945 خصص الجانب الأكبر من خطابه للحديث عن قضية فلسطين حيث قال
-يرحمه الله-: ''إن مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب في هذه
الأيام وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم. ومع أنني
لا أحب كثرة الكلام وأفضل العمل الصامت المثمر فإنني أقول بصراحة إن السكوت عن
قضية فلسطين لا يوافق المصلحة وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية
كما تحدثت مطولا مع الرئيس روزفلت وذكرت بكل صراحة الحيف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين
والإعنات والقهر اللذين خضعوا لهما وطالبت وطلبت من الرئيس الراحل إنصاف عرب
فلسطين إن لم يكن بالمساعدات الفعلية فعلى الأقل الوقوف على الحياد وعدم مساعدة
اليهود عليهم.
واليوم ذكرى اليوم الوطني تمر بنا ونحن نعيش واقعاً مشرقا أرساه
المؤسس الباني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل نستعيد ذلك البطل وهو يقول:
''أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب أنا رجل عمل إذا قلت فعلت
وعيب علي في ديني وشرفي أن أقول قولا لا اتبعه بالعمل وهذا شيء ما اعتدت عليها ولا
أحب أن أتعوده أبدا''.
نعم كان صادق القول .. إذا قال عمل وإذا عمل أنجز .. كان صاحب مبدأ
وصاحب منهج سار عليه أبناؤه من بعده متلمسين خطاه مع إضافة المزيد من الإنجازات
التي تسجل لهم في التاريخ بمداد من ذهب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق