الإثنين /28/
ذو الحجة 1436 الـــموافــق /12/ أكتوبر (تشرين الأول)2015
نسمح بإعادة النشر شرط ذكر
المصدر تحت طائلة الملاحقة القانونية
من كتاب أدب
الـــــرحـلات
رحلة سمو
الأميرة بسمة إلى روسيا من 23-9-2015 الموافق 13/12/1436هـ الى 30-9-
2015 الموافق 16/12/1436
بسمة بنت
سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
بيـــلاروســــيا
(روســـيا
الجـــميلة )
وجـــهة و
نـــــظر
منذ سنين
طويلة ترقبت زيارة هذه البلاد العريقة, التي تشتهر بفنانين ورياضين
ملئوا العالم بصوت الأوبرا, والعيون برقصات "البليرينا", والألعاب الأولمبية بميداليات ذهبية
لألعاب القوى الجسدية والعقلية.
فلعبة
الشطرنج الشهيرة أبدعوا في تخطيطها والفوز على النسر الكبير في المحافل الدولية
بنجوم ذهبية, كلما لاح في الأفق فرصه برونزية لذهابي الى بلاد الدب
الكبير تحول بيني وبين الرحلة حالة تأهب, تتعطل هذه الرحلة بقدرة الهية.
راقبتهم منذ
أجيال, فنونهم, صراعاتهم, تحالفاتهم, شجونهم, أعلامهم, ولكن دائماً من بعيد وكان
الجميع من حولي يحذروني بأن أبتعد عن هذا الشعب الشرير الذي يلقب بذوي الدم
البارد, والبلاد التي احتضنت التتر.
ولكن لم اكن
اعرف ابداً ولو بهمزة وصل أن تاريخهم كما تاريخ الأمة العربية ملئ بالاستيطان
والغزوات التي ملئت ايضا جيوب الأخرين بالثروات, وان لديهم ماضٍ طويل مظلم
بين القياصرة وانعدام الجاذبية وهي الشيوعية.
كنت أعتقد
أنهم يملؤون الشوارع ضجيجاً وصخباً, ويملؤون بطونهم من شراب يسمى بالفودكا,
كنت أراهم كما يراهم العالم بأصحاب المافيا والسرقة والجريمة, حتى
اكتشفت الواقع, كما الدول العربية وخاصةً الخليجية واقعاً مغاير للحقيقة
ملوث بالأعلام الغربي,الذي أحدثت شرخاً في العلاقات الدولية بين هذه الدولة والدول
العالمية والعربية خاصة , ومع وجود جزء كبير من هذه الدولة بالقارة الأسيوية رأيت
عادات وتقاليد اسرية تتشابه كثيراً مع دول الشرق أوسطية .
ركبت
الطائرة "الإمارتية" وعيني على الأفق وقلبي يدق في الساعة
دقةً الألفية الغير منتظمة وانا في
طريقي الى سانت
بطرسبرغ تلبية لدعوة منتدى المرأة الاسيوي الاوربي لإلقاء كلمة حول "المرأة والتمكين: إحداث فرق في القرن ال21", وكذلك محاضرة في جامعة سانت بطرسبرغ للعلوم الإنسانية لطلابها وأساتذتها حول (العلاقة بين روسيا والشرق الأوسط
المستقبلية).
كان عقلي
يعمل كمحرك الطائرة الذي يواجه الرياح العكسية, وعيني تنظر الى سماء غلفتها غيوم
سوداء ومغرب شمس بلون أرجواني يتسلسل بقوة بين أجنحة الطائرة.
حطت الطائرة
في مطارها وأنا أتوقع الطامة الكبرى فتفاجأت بحفاوة وترحيب.
رأيت في
تقاطيع وجوههم الاحترام والهيبة, وفي نظراتهم الأعجاب والطيبة, فتسألت بيني وبين
نفسي متى ستأتي المفاجأة ويظهر الوجه الحقيقي لهؤلاء الناس الذين طالما كانوا (على
الأقل بالنسبة لي) الشيطان الأكبر, ركبت سيارة مرسيدس من الطراز الجديد بحفاوة وترحيب,
شوارع كبيرة ونظيفة, قوانين, طرق منتظمة,وسلاسة في الوصول للمدينة.
كلما اقتربنا
من الفندق كلما ازداد انبهاري بما أرى:
مدينة الألف
جسر, البندقية, باريس, لندن, جنيف, فِييَنَّا, براغ, في مدينة واحدة وهوية
وطنية يفخرون بها بشكل أحتاج الى الأف الكلمات لرسمها في لوحة تشكيلية سرياليّة ,لتعبر
عن فخرهم بإنجازاتهم الشعبية, وتاريخ ملئ بالمفاجآت والمآسي التاريخية، لكنهم
اجتازوها وصنعوا بلداً حضارياً ينافس أكبر المدن الصناعية والتاريخية
جمالاً في النَّظَافَةِ والنظام.
مدينة لم أرى
مثلها في أوروبا ,
وشعبها نَظيف, مُنظَّم, مُتعلَّم, راقي, متدين, طلابها من غير
مبالغة ذكروني بفلاسفة الماضي, واطباء العالم العربي وفخامة التعليم
في حضارة بابل والعراق, ولوهلة بدأت الرحلة بالعد العكسي لرحلة عشتها
سنين في حلم غربي, بل هوليوودي عن روسيا البشعة , عن الروس المتآمرين, عن شعب قيل
عنه حكايات بألف سنه وليس فقط ليلة وصورت على أن نساءه لعب. فاكتشفت ان رجالها ونسائها
مفكرين بأخلاقيات ليس فقط مع من غلب بل أصدقاء وفيين للأبد, وعدهم وفاء ولو بعداء,
أصدقاء لمن صادقهم وليس فقط لمن حالفهم ,وهذا واقع رأيته خلال هذا الرحلة الأولى
من نوعها لعالم ماخلف الستار.
كما يُمحَى
الطبشور عن اللوح القديم , محيت كل ما تعلمت وسمعت لسنين طويلة عن هذه البلاد التي
تحتوي أكبر قطب جليدي في العالم وهو سيبيريا.
فوجدت شعباً
مسالماً, فخوراً, ملتزماً, محترماً, لا زال يذهب الى المسارح القديمة, وريشة فنانيها
ترسم ملاحم حاضرة وتاريخ ملئ بالفنون والعراقة والعلوم ,وليس باللغط
والشعوذة الغربية التي حولت أمماً محطمةً الى حيوانات برية ,وشعوب ميتة الضمير
منسية بين لحظة عين وانتباهها.
أخذت قلمي
أسطر هذه السطور القليلة من رحلتي العكسية الى وطني ومملكتنا الحبيبة, وانا بشوق
لأرى أبنائي, واروي لهم رحلة غيرت نظرتي والكثير من أبحاثي الجيوسياسية,
والاجتماعية,والاقتصادية, والعلمية,الى الأبد,أما الإعلامية فقد خطيت أحرف من ذهب
في أفق ورياح شرقية وسحب منسيه, بأن الأعلام والتاريخ العالمي يجب أعادة رسم
خريطته الجيولوجية, لأنني اليوم تأكدت بالفعل أن ليس فقط الأعلام ضَلّ
وأَضَلَّ بالقرن الواحد والعشرين
ولكنه تسبب ايضاً في حروب فعليه وواقعية ذات رياح غربية
وجنونيه, تجارة غير رابحة أَضَلَّت الكثيرين, ولكن أن تعرف الحكاية من
غير تدقيق, فهذه الطامة الكبرى التي صدقناها واخذنا بناصيتها وكأنها أمر ألهي وليس
من صنع الإنسانية.
اليوم لا
اتكلم عن روسيا السياسية بل اتكلم عن روسيا الاجتماعية,والاقتصادية,والعلمية,والسياحية
"وجـــهة"
و "نـــــظر"
روسيا
الجميلة هي التي حلت اليوم في ذاكرتي, ذاكرة تاريخ جديد سأكتبه بتأني وتدقيق
بسمة بنت
سعود بن عبد العزيز آل سعود
30-9-2015
الثامنة
مساءاً بتوقيت الطائرة المتجهة الى دبي من سان بطرسبرغ –
موســـكو
*كاتبة سعودية
PrincessBasmah @
خاص بموقع سمو
الأميرة بسمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق