(مواقع الأميرة غير مسؤولة عن النص ومضمونه وهي على مسؤولية
الناشر)
في السعودية ... هل قتلت وسائل التواصل الاجتماعي
المشاعر بين الأهل والأصدقاء؟
الرياض - هيبت برادة
"المصدر: صحيفة الحياة" الإثنين،29
يوليو/ تموز، 2013
ربما يستوقفك مشهد إعلاني بالضحك حينما يصف حالة
فتاة في غرفة مغلقة غير مرتبة في هندامها، إذ بدا شعرها أشعث أغبر، فتتابع المشهد
لتجد أنها تعتني ببعض العصافير المختلفة والملونة، ويبدو لك أن رائحتها اختلطت
برائحة تلك الطيور، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ كيف ستكون رائحة المكان، وكأنها لا
تستخدم الماء في حياتها أبداً، فهي لم تعتن بنفسها ولا بمظهرها حتى إن ابتسامتها
تنم عن شخص انشغل عن الطعام والشراب بطيوره و«تغريداتها»، كل ذلك جاء في صورة
فكاهية لإعلان علكة متعددة النكهات في السعودية! لكن فكرة الإعلان أظهرت مدى انشغال
تلك الفتاة في غرفة المحادثة طوال الوقت على موقع «تويتر» الموشى بالبيض والعصافير
وتغريداتها، وعزلتها عمن حولها وكأن العلكة هي التي ستجعلها تختلط بمن حولها،
حينما تستشعر ثقتها بنفسها لتتحدث وجهاً لوجه مع أصدقائها في العالم الحقيقي لا
الافتراضي.
ربما يرى الأشخاص هذا الإعلان مبالغاً فيه لمجرد
تسويق المنتج، ولكن الرسالة التي ستصل إلى الأشخاص أن العالم الافتراضي إحدى وسائل
التواصل، وعلى رغم أنها وسيلة تواصل اجتماعية للانتظام بالآراء بين الناس والتعارف
على أكبر عدد من «المتوترين»، إلا أنها عالم افتراضي لا توجد فيه أية مشاعر
حقيقية، يقابلون بعضهم من دون اشتياق.
الحديث هنا ليس عن وسيلة تواصل بحد ذاتها، وإنما
عن جميع وسائل التواصل الاجتماعية التي جعلت الأشخاص لا يكترثون لمقابلة الأصدقاء
أو حتى الأهل وجهاً لوجه.
من جانبها تصف المراهقة سمية خلف (15 عاماً) حال
«النشوة» التي تشعر بها حينما تتعرف على أصدقاء جدد عن طريق الفيسبوك على سبيل
المثال بأنها حال رائعة تشعرها بالأهمية، إذ زاد عدد الأصدقاء لديها، وتقول «في
بعض الأحيان لا أرغب في الخروج مع والدتي تلبية لأية دعوة سواء من الجيران أم
الأهل، لأنني أكون مرتبطة بموعد محادثة مع إحدى صديقاتي على الفيسبوك، ولا أريدها
أن تفوتني لأن الحديث في العالم الافتراضي لا يحكمه انطباع عن المستوى المعيش أو
التعليمي فأتحكم بمن أريد التعرف وما أريد الحديث عنه».
من جهته، يقول أحمد عبدالقادر (18 عاماً): «لا
تغريني الاجتماعات العائلية فلا أجد ما أقوله خاصة مع من يكبروني سناً، حتى عندما
أكون في جلسة فأنا أذهب لإرضاء والدي، على رغم أنني طوال الجلسة أحادث الأصدقاء
على «الواتساب».
ولا تجد سوزان أيوب (20 عاماً) متعتها إلا من
خلال محادثات صديقاتها بجهاز البلاك بيري أو «البي بي» كما تسميه، معللة ذلك بقولها
«خصوصية وسيلة التواصل هذه تجعلني أنتقي أصدقائي، وممن لديهم جهازاً مماثلاً، لذلك
أجد متعة في عالم افتراضي ومجموعات تعارف افتراضية تشعرني بالحرية في الحديث، وكسب
الخبرة من أشخاص لا أعرفهم، ولكنني أشعر نحوهم بالألفة والشوق وإن لم أرهم».
تبدو هذه الآراء طبيعية جداً لجيل من المراهقين
والمراهقات اعتاد على تلك الوسائل منذ نعومة أظفاره، عن الجيل السابق لهم الذي
جاءت هذه الوسائل كطفرة وتغيير في نمط الحياة. تقول ثريا عبدالحفيظ (37 عاماً):
«على رغم أنني اهتم بمواكبة وسائل التواصل الاجتماعية وأقوم بتفعيلها وتحديثها إلا
أن تلك الوسائل لا تغنيني عن رؤية صديقاتي وأهلي في الاجتماعات، حتى وإن قضيت بعض
الأوقات وأنا برفقتهم أتابع من أعطاني «إعجاباً» على صورة في «الإنستغرام» أو من
رد على تعليق لي في الفيسبوك، كما أنني أهتم بالتواصل مع صديقاتي اللائي لا أراهن
بسبب سفرهن خارج البلاد عن طريق «الواتساب»، كل ذلك وأنا أستمتع بمشاركة الأهل في
الاجتماعات العائلية أسبوعياً».
أما رائد حسين (42 عاماً) فيؤكد أن وسائل التواصل
تجعل الإنسان يعرف أخبار عائلته وإن لم يجتمع بهم، وهذا طبيعي مع مشاغل الحياة.
ويرى من وجهة نظره «أن هذه الوسائل قربت البعيد وأبعدت القريب، فغاب الشوق في
مقابلة الأهل والأصدقاء القدامى!».
ويتابع: «على رغم أن معظم هذه الوسائل تتيح
تطبيقاتها إمكان متابعة الأحبة والأهل على الجوال إلا أنها سببت حصول الجفاء بين
كثير من الأسر بسبب الانشغال بها وضعف الصلة بين الأقارب، واقتصار التواصل على
الأصحاب، والانعزال عن بقية المجتمع إلى غير ذلك من الآثار السيئة».
وقال: «أصبحنا نجد أن هناك تكاثراً في التطبيقات
التي خرجت على العالم وأثرت في عملية التواصل بين المجتمعات في شكل عام، والأفراد
فيما بينهم في شكل خاص، وجعلت لعملية التواصل الفردي شكلاً جديداً قضى تماماً على
حميمية اللقاء وتبادل النظرات فيما بين الشخص والآخر، وحدت من عمليات تواصلية
أساسية مهمة، بل وتعتبر هي الأقوى في إظهار مدى كم المشاعر والأحاسيس، وهي لغة
الجسد ونبرة الصوت والإيماءات الوجهية وغيرها، من الأمور المعينة والمساعدة على
توصيل المعنى الحقيقي للرسالة بين المرسل والمتلقي».
وأضاف: «من هذا المفهوم نجد أن الأمر أصبح خليطاً
من عناصر عدة أقفلت بعض الأبواب وفتحت أبواباً أخرى، إذ تأثر باب التواصل الحي
والزيارات والتجمعات وتبادل الأخبار والسؤال عن الحال والأحوال بين البشر من ناحية،
وفتحت أبواباً أخرى جعلت القاصي والداني لا يستطاع الهروب من السؤال عنهما سواء
بالجوال أم بالتطبيقات الموجودة على أجهزة الجوال، وأيضا بالبريد الإلكتروني
ومواقع التواصل الاجتماعية التي هي الوجه الجديد للتواصل الاجتماعي بين الناس في
وقتنا الحالي».
وتابع: «أصبحت الموصل لأشخاص تم نسيانهم أو
أشغلتنا الحياة عنهم ونجدهم أمامنا فجأة، بل وبحكم التسجيل في موقع مثل فيسبوك نجد
أنه ومن السهل فقط أن نتذكر اسماً ما أو شخصاً ما لنبحث عنه ولنجده في ثوان
معدودة، وبالتالي ننطلق في تواصل لم يكن في الحسبان ولا يحتاج إلى استئذان، بل
وليس فيه من جهد للقاء أو تجهيز لجلسة أو استقطاع لوقت، بل الأمر كله تحت أصابعنا
وبنقرات بسيطة نتواصل بها، فيحصل اللقاء في شكل إلكتروني من خلال وجود الكاميرات
التي تنقل بدورها ما تحدثنا عنه مسبقا من نبرة الصوت وإيماءات الوجه لتعود عملية
التواصل بين البشر في شكل أقوى مما كانت عليه في السابق وكانت تتطلب وقتاً وجهداً
وحضوراً، أصبحت كما ذكرنا تتم في لحظات».