جاك ميشان المؤرخ الفرنسي يوثق سيرة ملك في كتاب 03/04/2010
الملك سعود... الشرق في زمن التحولات
بيروت - ليندا عثمان:
صدر حديثاً عن دار الساقي البيروتية كتاب »الملك سعود.. الشرق في زمن التحولات« للمؤلف والمؤرخ الفرنسي جاك بونوا ميشان, وترجمته نهلة بيضون, يقع التاب في (609 صفحات) من القطع الكبير. يقول المولف في تصوير الكتاب:
إنها سيرة حياة عظيمة عندما نرى الحدث التاريخي يتمثل في رجل, جسداً وروحاً, ويقرر حياته وما سيحدث, إنه التاريخ الذي ينبشه من يدخل في حيثياته ويفتح نافذة الضوء على سير الرجال, الرجال الذين بصمتهم تدل عليهم وتحفر اسمهم في سجلات العظمة والعظام. يتضمن الكتاب إلى جانب المقدمة ثمانية أقسام تتحدث عن السيرة والمسيرة, بدايات الحكم, وكيف تسلم الأمير سعود الحكم خلفاً لوالده الملك عبد العزيز بن سعود في 9 نوفمبر 1953, ومؤتمر جامعة الدول الإسلامية في مكة المكرمة (10 أغسطس 1954), نهوض تركيا, إحياء الجيش التركي 1947-1952 حلف بغداد والدلالة التاريخية له, قيام دولة إسرائيل... الثورة المصرية, نشأة عبد الناصر, ميثاق منقباد 1918-1939... ثم الإطاحة بالملك فاروق ورحيله عن مصر 26 يوليو 1952 ثم انسحاب الإنكليز من قناة السويس, المعاهدة الإنكليزية المصرية, السد العالي في أسوان, وعبد الناصر يؤمم قناة السويس 26 يوليو 1956, مأساة السويس, الوضعية القانونية للقناة, بدء العدوان الإسرائيلي-الإنذار الفرنسي-الإنكليزي إلى مصر (29-30 أكتوبر 1956 ودور الملك سعود مبدأ إيزنهاور (يناير 1957, مرض الأمير فيصل, زيارة الملك سعود إلى واشنطن 30 يناير- 9 فبراير 1957, اللقاء بين الملك سعود وعبد الناصر والملك حسين وشكري القوتلي في القاهرة (27 فبراير 1957)... البدو والفلسطينيون-محاولات للإطاحة بالملك حسين-الملك حسين يستنجد بالملك سعود-تمرد الزرقاء (مارس-أبريل 1957), الانتفاضة الشعبية في الأردن-الملك حسين يستنجد بالولايات المتحدة (24 أغسطس 1957), الأسطول السادس الأميركي يرسو قبالة بيروت (28 أبريل 1957)... زيارة الملك سعود إلى عمان (10 يوليو 1957)-أهو السلام أخيراً? "لا معنى للاستقلال من دون وحدة".
في السيرة يقول المؤلف, إنه بعد وفاة الابن البكر للملك عبد العزيز واسمه تركي, قرر أن يكون ابنه الثاني سعود خليفته. وفي 11 مايو 1933, خلع عليه لقب ولي العهد, ودعا أعيان المملكة إلى مكة لمبايعته, ما يعني أنه اختاره رسمياً ولياً للعهد.
ويضيف: أمور كثيرة في ماضي الأمير سعود تبرر هذا الخيار, فظروف ولادته وحدها تهيئه على ما يبدو لاعتلاء العرش, أفلم يبصر النور في الكويت في 3 شوال عام 1319, للهجرة (15/1/1902 ميلادي), فيما كان أبوه يستعيد عاصمته? فكان بلا أدنى شك (طفل النصرة), وقد ألهبت هذا الحدث مخيلة العرب الذين اعتبروه فأل خير, كان في سن الخامسة عندما عهد به أبوه إلى أحد العلماء الشيخ عبد الله المفيريح, ليتعلم على يده تجويد القرآن, ثم نشأته في مدرسة الصحراء الصارمة, التي عودته الاكتفاء ببضع ثمرات زاداً, وقضاء أيام بطولها على صهوة الجواد. وفي مرحلة مبكرة, أثبت الأمير سعود صفاته الحربية, مع التزامه الشديد بواجباته الدينية. وأوكل إليه أبوه مهمته الرسمية الأولى عام 1914, ففي سن الثالثة عشرة سافر إلى قطر وقابل أميرها لتلقي استسلام عدد من القبائل المتمردة, وفي السابعة عشرة, تميز في معركة تربة في (13 يونيو 1918) التي أشرعت أمام السعودية أبواب الحجاز, ثم حارب في حائل واليمن, وفي عام 1934, أثناء الحج في مكة, انقض أربعة قتلة على الملك عبد العزيز, فتلقى الأمير سعود الذي حماه بجسده الطعنات التي كانت موجهة إلى الكتف اليسرى لأبيه. وفي السنة التالية, ذهب في جولة على بعض العواصم الأوروبية. وفي عام 1937, مثل والده في حفل تتويج الملك جورج السادس, وبعد تعيينه على التوالي أميراً على نجد, ثم أميراً على الحجاز, تلقى دعوة من واشنطن أرسلها إليه الرئيس "ترومان", فكون على هذا النحو فكرة أولية عن القوة الأميركية عام (1946), وعندما اعتلى العرش خلفاً لأبيه في 9 نوفمبر 1953, بوصفه إماماً للمسلمين وعاهلاً للسعودية, كان يبدو أن الملك سعود الأول يجمع في شخصه كل الصفات المطلوبة لممارسة السلطة الدينية والسياسية في آن واحد. وفي الحقيقة يقول "ميشان" قلما كان ولياً للعهد يشبه سلفه إلى هذا الحد, وإذا كانت الملكية تعني الاستمرارية, فلدينا في هذه الحالة مثال صارخ على ذلك, بل لكأن الرجل نفسه ظل يتولى مقاليد الحكم, ولكنه استرد شبابه فرجع عشرين سنة إلى الوراء..
في السيرة والتحولات, يصف الكاتب الملك سعود الأول وقد تجاوز الخمسين وأنجب نحو 40 ابناً, كان يشابه أبيه في كل شيء في الطول والهيئة والزي والطباع, وقد بايعت الرعية في جدة الملك سعود الأول في 17 نوفمبر 1953, حسب ما تقتضيه الأعراف والتقاليد, أتى الأمراء وكبار موظفي البلاط وأبرز أعيان المملكة لتأكيد المبايعة له, حين كان الوالد على قيد الحياة, استقبل العاهل الجديد تباعاً الشخصيات التي جاءت لمبايعته, وكان قسم المبايعة بحسب الطقوس المعروفة, يتقدم رؤساء الوفود حتى أسفل كرسي الملك للسلام على الملك, فيقوم بإنهاضهم, ويتودد إليهم بالكلام, ويدعوهم للانسحاب, إفساحاً في المجال للوفود الأخرى, ثم يأتي دور العلماء "حكماء" المسلمين الذين يقودهم الشيخ محمد بن ابراهيم, مفتي الديار السعودية وهو أرفع شخصية دينية بعد الملك, ثم يليهم الأمراء الملكيون, والأمراء الآخرون, وكبار موظفي البلاط, وعددهم ألفان, ويعقب هؤلاء قادة الحرس الملكي وقادة الجيش, ويخصص بعد الظهر لاستقبال الوفود الأجنبية, الهيئة الديبلوماسية, بكامل أعضائها, والخبراء الفنيين, الأوروبيين, والإداريين في شركة "أرامكو", ويتوجه الملك إلى كل فردٍ منهم بكلمة ترحيب مقتضبة وهو يومها بادر المهندسون الأميركيون قائلاً: "ما يثير اهتمامنا في الحضارة الغربية, هو كل تجربة في مجال الفنون والعلوم والتقنيات والثقافة التي من شأنها, أن تمنحنا القدرة على صون تراثنا القومي وتعزيز تطورنا". فأجاب الإداريون في "أرامكو": "نؤكد لجلالتكم ولحكومتكم وللشعب العربي بأكمله, أن شركتنا سوف تظل تقود أنشطتها بما يعود بالفائدة على المصالح المشتركة للبلاد والشركة.
واختتم ذلك اليوم بمأدبة حضرها 600 مدعو في القاعة الكبرى للقصر الملكي, فيما راحت الجماهير المبتهجة تذرع الشوارع وسط الدراجات النارية والمفرقعات, وشعر الجميع, بتوجس غامض ينجلي عن صدورهم, فقد انتقلت السلطة من دون عراقيل كما شاء الملك الأب. فلم يطرأ ما يعكر صفو أجواء الاحتفالية ولم يقع أي حادث.
بعد سرد وقائع السيرة وكيفية تسلم مقاليد الحكم, يستعرض الكاتب مسرح أحداث واسع, يمتد من مصر إلى باكستان, محللاً كيفية نهوض الجيش التركي وتأميم المنشآت النفطية في إيران, وأزمة الأردن التي أسفرت عن انقسام الشرق إلى معسكرين متخاصمين: "التحالف المقدس" للملوك ضد الجمهوريات التقدمية, على خلفية اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وتتضح قيمة الكتاب, باعتباره وثيقة مهمة, توضح مواقف الملك سعود الأول تجاه حلف بغداد وقضية البريمي والقومية العربية, ومشروع إيزنهاور وأزمة قناة السويس وقطع العلاقات, ووقف إمدادات البترول عن فرنسا وبريطانيا, ونتائجها على الاقتصاد السعودي.
وأخيراً نستطيع القول بأن الكتاب يعتبر إضافة للمكتبة العربية, فهو أحد الشهود على ما التاريخ العربي المعاصر للشرق الأوسط, كما انه يسلط الضوء على يطلق عليه المؤلف "الشرق الأوسط في زمن التحولات", فيصف جملة الأزمات والانقلابات المتقاطعة منذ أواخر الحرب العالمية الثانية حتى شهر أغسطس 1957.
إضافة شرح
جاك ميشان المؤرخ الفرنسي يوثق سيرة ملك في كتاب 03/04/2010
الملك سعود... الشرق في زمن التحولات
بيروت - ليندا عثمان:
صدر حديثاً عن دار الساقي البيروتية كتاب »الملك سعود.. الشرق في زمن التحولات« للمؤلف والمؤرخ الفرنسي جاك بونوا ميشان, وترجمته نهلة بيضون, يقع التاب في (609 صفحات) من القطع الكبير. يقول المولف في تصوير الكتاب:
إنها سيرة حياة عظيمة عندما نرى الحدث التاريخي يتمثل في رجل, جسداً وروحاً, ويقرر حياته وما سيحدث, إنه التاريخ الذي ينبشه من يدخل في حيثياته ويفتح نافذة الضوء على سير الرجال, الرجال الذين بصمتهم تدل عليهم وتحفر اسمهم في سجلات العظمة والعظام. يتضمن الكتاب إلى جانب المقدمة ثمانية أقسام تتحدث عن السيرة والمسيرة, بدايات الحكم, وكيف تسلم الأمير سعود الحكم خلفاً لوالده الملك عبد العزيز بن سعود في 9 نوفمبر 1953, ومؤتمر جامعة الدول الإسلامية في مكة المكرمة (10 أغسطس 1954), نهوض تركيا, إحياء الجيش التركي 1947-1952 حلف بغداد والدلالة التاريخية له, قيام دولة إسرائيل... الثورة المصرية, نشأة عبد الناصر, ميثاق منقباد 1918-1939... ثم الإطاحة بالملك فاروق ورحيله عن مصر 26 يوليو 1952 ثم انسحاب الإنكليز من قناة السويس, المعاهدة الإنكليزية المصرية, السد العالي في أسوان, وعبد الناصر يؤمم قناة السويس 26 يوليو 1956, مأساة السويس, الوضعية القانونية للقناة, بدء العدوان الإسرائيلي-الإنذار الفرنسي-الإنكليزي إلى مصر (29-30 أكتوبر 1956 ودور الملك سعود مبدأ إيزنهاور (يناير 1957, مرض الأمير فيصل, زيارة الملك سعود إلى واشنطن 30 يناير- 9 فبراير 1957, اللقاء بين الملك سعود وعبد الناصر والملك حسين وشكري القوتلي في القاهرة (27 فبراير 1957)... البدو والفلسطينيون-محاولات للإطاحة بالملك حسين-الملك حسين يستنجد بالملك سعود-تمرد الزرقاء (مارس-أبريل 1957), الانتفاضة الشعبية في الأردن-الملك حسين يستنجد بالولايات المتحدة (24 أغسطس 1957), الأسطول السادس الأميركي يرسو قبالة بيروت (28 أبريل 1957)... زيارة الملك سعود إلى عمان (10 يوليو 1957)-أهو السلام أخيراً? "لا معنى للاستقلال من دون وحدة".
في السيرة يقول المؤلف, إنه بعد وفاة الابن البكر للملك عبد العزيز واسمه تركي, قرر أن يكون ابنه الثاني سعود خليفته. وفي 11 مايو 1933, خلع عليه لقب ولي العهد, ودعا أعيان المملكة إلى مكة لمبايعته, ما يعني أنه اختاره رسمياً ولياً للعهد.
ويضيف: أمور كثيرة في ماضي الأمير سعود تبرر هذا الخيار, فظروف ولادته وحدها تهيئه على ما يبدو لاعتلاء العرش, أفلم يبصر النور في الكويت في 3 شوال عام 1319, للهجرة (15/1/1902 ميلادي), فيما كان أبوه يستعيد عاصمته? فكان بلا أدنى شك (طفل النصرة), وقد ألهبت هذا الحدث مخيلة العرب الذين اعتبروه فأل خير, كان في سن الخامسة عندما عهد به أبوه إلى أحد العلماء الشيخ عبد الله المفيريح, ليتعلم على يده تجويد القرآن, ثم نشأته في مدرسة الصحراء الصارمة, التي عودته الاكتفاء ببضع ثمرات زاداً, وقضاء أيام بطولها على صهوة الجواد. وفي مرحلة مبكرة, أثبت الأمير سعود صفاته الحربية, مع التزامه الشديد بواجباته الدينية. وأوكل إليه أبوه مهمته الرسمية الأولى عام 1914, ففي سن الثالثة عشرة سافر إلى قطر وقابل أميرها لتلقي استسلام عدد من القبائل المتمردة, وفي السابعة عشرة, تميز في معركة تربة في (13 يونيو 1918) التي أشرعت أمام السعودية أبواب الحجاز, ثم حارب في حائل واليمن, وفي عام 1934, أثناء الحج في مكة, انقض أربعة قتلة على الملك عبد العزيز, فتلقى الأمير سعود الذي حماه بجسده الطعنات التي كانت موجهة إلى الكتف اليسرى لأبيه. وفي السنة التالية, ذهب في جولة على بعض العواصم الأوروبية. وفي عام 1937, مثل والده في حفل تتويج الملك جورج السادس, وبعد تعيينه على التوالي أميراً على نجد, ثم أميراً على الحجاز, تلقى دعوة من واشنطن أرسلها إليه الرئيس "ترومان", فكون على هذا النحو فكرة أولية عن القوة الأميركية عام (1946), وعندما اعتلى العرش خلفاً لأبيه في 9 نوفمبر 1953, بوصفه إماماً للمسلمين وعاهلاً للسعودية, كان يبدو أن الملك سعود الأول يجمع في شخصه كل الصفات المطلوبة لممارسة السلطة الدينية والسياسية في آن واحد. وفي الحقيقة يقول "ميشان" قلما كان ولياً للعهد يشبه سلفه إلى هذا الحد, وإذا كانت الملكية تعني الاستمرارية, فلدينا في هذه الحالة مثال صارخ على ذلك, بل لكأن الرجل نفسه ظل يتولى مقاليد الحكم, ولكنه استرد شبابه فرجع عشرين سنة إلى الوراء..
في السيرة والتحولات, يصف الكاتب الملك سعود الأول وقد تجاوز الخمسين وأنجب نحو 40 ابناً, كان يشابه أبيه في كل شيء في الطول والهيئة والزي والطباع, وقد بايعت الرعية في جدة الملك سعود الأول في 17 نوفمبر 1953, حسب ما تقتضيه الأعراف والتقاليد, أتى الأمراء وكبار موظفي البلاط وأبرز أعيان المملكة لتأكيد المبايعة له, حين كان الوالد على قيد الحياة, استقبل العاهل الجديد تباعاً الشخصيات التي جاءت لمبايعته, وكان قسم المبايعة بحسب الطقوس المعروفة, يتقدم رؤساء الوفود حتى أسفل كرسي الملك للسلام على الملك, فيقوم بإنهاضهم, ويتودد إليهم بالكلام, ويدعوهم للانسحاب, إفساحاً في المجال للوفود الأخرى, ثم يأتي دور العلماء "حكماء" المسلمين الذين يقودهم الشيخ محمد بن ابراهيم, مفتي الديار السعودية وهو أرفع شخصية دينية بعد الملك, ثم يليهم الأمراء الملكيون, والأمراء الآخرون, وكبار موظفي البلاط, وعددهم ألفان, ويعقب هؤلاء قادة الحرس الملكي وقادة الجيش, ويخصص بعد الظهر لاستقبال الوفود الأجنبية, الهيئة الديبلوماسية, بكامل أعضائها, والخبراء الفنيين, الأوروبيين, والإداريين في شركة "أرامكو", ويتوجه الملك إلى كل فردٍ منهم بكلمة ترحيب مقتضبة وهو يومها بادر المهندسون الأميركيون قائلاً: "ما يثير اهتمامنا في الحضارة الغربية, هو كل تجربة في مجال الفنون والعلوم والتقنيات والثقافة التي من شأنها, أن تمنحنا القدرة على صون تراثنا القومي وتعزيز تطورنا". فأجاب الإداريون في "أرامكو": "نؤكد لجلالتكم ولحكومتكم وللشعب العربي بأكمله, أن شركتنا سوف تظل تقود أنشطتها بما يعود بالفائدة على المصالح المشتركة للبلاد والشركة.
واختتم ذلك اليوم بمأدبة حضرها 600 مدعو في القاعة الكبرى للقصر الملكي, فيما راحت الجماهير المبتهجة تذرع الشوارع وسط الدراجات النارية والمفرقعات, وشعر الجميع, بتوجس غامض ينجلي عن صدورهم, فقد انتقلت السلطة من دون عراقيل كما شاء الملك الأب. فلم يطرأ ما يعكر صفو أجواء الاحتفالية ولم يقع أي حادث.
بعد سرد وقائع السيرة وكيفية تسلم مقاليد الحكم, يستعرض الكاتب مسرح أحداث واسع, يمتد من مصر إلى باكستان, محللاً كيفية نهوض الجيش التركي وتأميم المنشآت النفطية في إيران, وأزمة الأردن التي أسفرت عن انقسام الشرق إلى معسكرين متخاصمين: "التحالف المقدس" للملوك ضد الجمهوريات التقدمية, على خلفية اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وتتضح قيمة الكتاب, باعتباره وثيقة مهمة, توضح مواقف الملك سعود الأول تجاه حلف بغداد وقضية البريمي والقومية العربية, ومشروع إيزنهاور وأزمة قناة السويس وقطع العلاقات, ووقف إمدادات البترول عن فرنسا وبريطانيا, ونتائجها على الاقتصاد السعودي.
وأخيراً نستطيع القول بأن الكتاب يعتبر إضافة للمكتبة العربية, فهو أحد الشهود على ما التاريخ العربي المعاصر للشرق الأوسط, كما انه يسلط الضوء على يطلق عليه المؤلف "الشرق الأوسط في زمن التحولات", فيصف جملة الأزمات والانقلابات المتقاطعة منذ أواخر الحرب العالمية الثانية حتى شهر أغسطس 1957.
الملك سعود... الشرق في زمن التحولات
بيروت - ليندا عثمان:
صدر حديثاً عن دار الساقي البيروتية كتاب »الملك سعود.. الشرق في زمن التحولات« للمؤلف والمؤرخ الفرنسي جاك بونوا ميشان, وترجمته نهلة بيضون, يقع التاب في (609 صفحات) من القطع الكبير. يقول المولف في تصوير الكتاب:
إنها سيرة حياة عظيمة عندما نرى الحدث التاريخي يتمثل في رجل, جسداً وروحاً, ويقرر حياته وما سيحدث, إنه التاريخ الذي ينبشه من يدخل في حيثياته ويفتح نافذة الضوء على سير الرجال, الرجال الذين بصمتهم تدل عليهم وتحفر اسمهم في سجلات العظمة والعظام. يتضمن الكتاب إلى جانب المقدمة ثمانية أقسام تتحدث عن السيرة والمسيرة, بدايات الحكم, وكيف تسلم الأمير سعود الحكم خلفاً لوالده الملك عبد العزيز بن سعود في 9 نوفمبر 1953, ومؤتمر جامعة الدول الإسلامية في مكة المكرمة (10 أغسطس 1954), نهوض تركيا, إحياء الجيش التركي 1947-1952 حلف بغداد والدلالة التاريخية له, قيام دولة إسرائيل... الثورة المصرية, نشأة عبد الناصر, ميثاق منقباد 1918-1939... ثم الإطاحة بالملك فاروق ورحيله عن مصر 26 يوليو 1952 ثم انسحاب الإنكليز من قناة السويس, المعاهدة الإنكليزية المصرية, السد العالي في أسوان, وعبد الناصر يؤمم قناة السويس 26 يوليو 1956, مأساة السويس, الوضعية القانونية للقناة, بدء العدوان الإسرائيلي-الإنذار الفرنسي-الإنكليزي إلى مصر (29-30 أكتوبر 1956 ودور الملك سعود مبدأ إيزنهاور (يناير 1957, مرض الأمير فيصل, زيارة الملك سعود إلى واشنطن 30 يناير- 9 فبراير 1957, اللقاء بين الملك سعود وعبد الناصر والملك حسين وشكري القوتلي في القاهرة (27 فبراير 1957)... البدو والفلسطينيون-محاولات للإطاحة بالملك حسين-الملك حسين يستنجد بالملك سعود-تمرد الزرقاء (مارس-أبريل 1957), الانتفاضة الشعبية في الأردن-الملك حسين يستنجد بالولايات المتحدة (24 أغسطس 1957), الأسطول السادس الأميركي يرسو قبالة بيروت (28 أبريل 1957)... زيارة الملك سعود إلى عمان (10 يوليو 1957)-أهو السلام أخيراً? "لا معنى للاستقلال من دون وحدة".
في السيرة يقول المؤلف, إنه بعد وفاة الابن البكر للملك عبد العزيز واسمه تركي, قرر أن يكون ابنه الثاني سعود خليفته. وفي 11 مايو 1933, خلع عليه لقب ولي العهد, ودعا أعيان المملكة إلى مكة لمبايعته, ما يعني أنه اختاره رسمياً ولياً للعهد.
ويضيف: أمور كثيرة في ماضي الأمير سعود تبرر هذا الخيار, فظروف ولادته وحدها تهيئه على ما يبدو لاعتلاء العرش, أفلم يبصر النور في الكويت في 3 شوال عام 1319, للهجرة (15/1/1902 ميلادي), فيما كان أبوه يستعيد عاصمته? فكان بلا أدنى شك (طفل النصرة), وقد ألهبت هذا الحدث مخيلة العرب الذين اعتبروه فأل خير, كان في سن الخامسة عندما عهد به أبوه إلى أحد العلماء الشيخ عبد الله المفيريح, ليتعلم على يده تجويد القرآن, ثم نشأته في مدرسة الصحراء الصارمة, التي عودته الاكتفاء ببضع ثمرات زاداً, وقضاء أيام بطولها على صهوة الجواد. وفي مرحلة مبكرة, أثبت الأمير سعود صفاته الحربية, مع التزامه الشديد بواجباته الدينية. وأوكل إليه أبوه مهمته الرسمية الأولى عام 1914, ففي سن الثالثة عشرة سافر إلى قطر وقابل أميرها لتلقي استسلام عدد من القبائل المتمردة, وفي السابعة عشرة, تميز في معركة تربة في (13 يونيو 1918) التي أشرعت أمام السعودية أبواب الحجاز, ثم حارب في حائل واليمن, وفي عام 1934, أثناء الحج في مكة, انقض أربعة قتلة على الملك عبد العزيز, فتلقى الأمير سعود الذي حماه بجسده الطعنات التي كانت موجهة إلى الكتف اليسرى لأبيه. وفي السنة التالية, ذهب في جولة على بعض العواصم الأوروبية. وفي عام 1937, مثل والده في حفل تتويج الملك جورج السادس, وبعد تعيينه على التوالي أميراً على نجد, ثم أميراً على الحجاز, تلقى دعوة من واشنطن أرسلها إليه الرئيس "ترومان", فكون على هذا النحو فكرة أولية عن القوة الأميركية عام (1946), وعندما اعتلى العرش خلفاً لأبيه في 9 نوفمبر 1953, بوصفه إماماً للمسلمين وعاهلاً للسعودية, كان يبدو أن الملك سعود الأول يجمع في شخصه كل الصفات المطلوبة لممارسة السلطة الدينية والسياسية في آن واحد. وفي الحقيقة يقول "ميشان" قلما كان ولياً للعهد يشبه سلفه إلى هذا الحد, وإذا كانت الملكية تعني الاستمرارية, فلدينا في هذه الحالة مثال صارخ على ذلك, بل لكأن الرجل نفسه ظل يتولى مقاليد الحكم, ولكنه استرد شبابه فرجع عشرين سنة إلى الوراء..
في السيرة والتحولات, يصف الكاتب الملك سعود الأول وقد تجاوز الخمسين وأنجب نحو 40 ابناً, كان يشابه أبيه في كل شيء في الطول والهيئة والزي والطباع, وقد بايعت الرعية في جدة الملك سعود الأول في 17 نوفمبر 1953, حسب ما تقتضيه الأعراف والتقاليد, أتى الأمراء وكبار موظفي البلاط وأبرز أعيان المملكة لتأكيد المبايعة له, حين كان الوالد على قيد الحياة, استقبل العاهل الجديد تباعاً الشخصيات التي جاءت لمبايعته, وكان قسم المبايعة بحسب الطقوس المعروفة, يتقدم رؤساء الوفود حتى أسفل كرسي الملك للسلام على الملك, فيقوم بإنهاضهم, ويتودد إليهم بالكلام, ويدعوهم للانسحاب, إفساحاً في المجال للوفود الأخرى, ثم يأتي دور العلماء "حكماء" المسلمين الذين يقودهم الشيخ محمد بن ابراهيم, مفتي الديار السعودية وهو أرفع شخصية دينية بعد الملك, ثم يليهم الأمراء الملكيون, والأمراء الآخرون, وكبار موظفي البلاط, وعددهم ألفان, ويعقب هؤلاء قادة الحرس الملكي وقادة الجيش, ويخصص بعد الظهر لاستقبال الوفود الأجنبية, الهيئة الديبلوماسية, بكامل أعضائها, والخبراء الفنيين, الأوروبيين, والإداريين في شركة "أرامكو", ويتوجه الملك إلى كل فردٍ منهم بكلمة ترحيب مقتضبة وهو يومها بادر المهندسون الأميركيون قائلاً: "ما يثير اهتمامنا في الحضارة الغربية, هو كل تجربة في مجال الفنون والعلوم والتقنيات والثقافة التي من شأنها, أن تمنحنا القدرة على صون تراثنا القومي وتعزيز تطورنا". فأجاب الإداريون في "أرامكو": "نؤكد لجلالتكم ولحكومتكم وللشعب العربي بأكمله, أن شركتنا سوف تظل تقود أنشطتها بما يعود بالفائدة على المصالح المشتركة للبلاد والشركة.
واختتم ذلك اليوم بمأدبة حضرها 600 مدعو في القاعة الكبرى للقصر الملكي, فيما راحت الجماهير المبتهجة تذرع الشوارع وسط الدراجات النارية والمفرقعات, وشعر الجميع, بتوجس غامض ينجلي عن صدورهم, فقد انتقلت السلطة من دون عراقيل كما شاء الملك الأب. فلم يطرأ ما يعكر صفو أجواء الاحتفالية ولم يقع أي حادث.
بعد سرد وقائع السيرة وكيفية تسلم مقاليد الحكم, يستعرض الكاتب مسرح أحداث واسع, يمتد من مصر إلى باكستان, محللاً كيفية نهوض الجيش التركي وتأميم المنشآت النفطية في إيران, وأزمة الأردن التي أسفرت عن انقسام الشرق إلى معسكرين متخاصمين: "التحالف المقدس" للملوك ضد الجمهوريات التقدمية, على خلفية اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وتتضح قيمة الكتاب, باعتباره وثيقة مهمة, توضح مواقف الملك سعود الأول تجاه حلف بغداد وقضية البريمي والقومية العربية, ومشروع إيزنهاور وأزمة قناة السويس وقطع العلاقات, ووقف إمدادات البترول عن فرنسا وبريطانيا, ونتائجها على الاقتصاد السعودي.
وأخيراً نستطيع القول بأن الكتاب يعتبر إضافة للمكتبة العربية, فهو أحد الشهود على ما التاريخ العربي المعاصر للشرق الأوسط, كما انه يسلط الضوء على يطلق عليه المؤلف "الشرق الأوسط في زمن التحولات", فيصف جملة الأزمات والانقلابات المتقاطعة منذ أواخر الحرب العالمية الثانية حتى شهر أغسطس 1957.
إضافة شرح
جاك ميشان المؤرخ الفرنسي يوثق سيرة ملك في كتاب 03/04/2010
الملك سعود... الشرق في زمن التحولات
بيروت - ليندا عثمان:
صدر حديثاً عن دار الساقي البيروتية كتاب »الملك سعود.. الشرق في زمن التحولات« للمؤلف والمؤرخ الفرنسي جاك بونوا ميشان, وترجمته نهلة بيضون, يقع التاب في (609 صفحات) من القطع الكبير. يقول المولف في تصوير الكتاب:
إنها سيرة حياة عظيمة عندما نرى الحدث التاريخي يتمثل في رجل, جسداً وروحاً, ويقرر حياته وما سيحدث, إنه التاريخ الذي ينبشه من يدخل في حيثياته ويفتح نافذة الضوء على سير الرجال, الرجال الذين بصمتهم تدل عليهم وتحفر اسمهم في سجلات العظمة والعظام. يتضمن الكتاب إلى جانب المقدمة ثمانية أقسام تتحدث عن السيرة والمسيرة, بدايات الحكم, وكيف تسلم الأمير سعود الحكم خلفاً لوالده الملك عبد العزيز بن سعود في 9 نوفمبر 1953, ومؤتمر جامعة الدول الإسلامية في مكة المكرمة (10 أغسطس 1954), نهوض تركيا, إحياء الجيش التركي 1947-1952 حلف بغداد والدلالة التاريخية له, قيام دولة إسرائيل... الثورة المصرية, نشأة عبد الناصر, ميثاق منقباد 1918-1939... ثم الإطاحة بالملك فاروق ورحيله عن مصر 26 يوليو 1952 ثم انسحاب الإنكليز من قناة السويس, المعاهدة الإنكليزية المصرية, السد العالي في أسوان, وعبد الناصر يؤمم قناة السويس 26 يوليو 1956, مأساة السويس, الوضعية القانونية للقناة, بدء العدوان الإسرائيلي-الإنذار الفرنسي-الإنكليزي إلى مصر (29-30 أكتوبر 1956 ودور الملك سعود مبدأ إيزنهاور (يناير 1957, مرض الأمير فيصل, زيارة الملك سعود إلى واشنطن 30 يناير- 9 فبراير 1957, اللقاء بين الملك سعود وعبد الناصر والملك حسين وشكري القوتلي في القاهرة (27 فبراير 1957)... البدو والفلسطينيون-محاولات للإطاحة بالملك حسين-الملك حسين يستنجد بالملك سعود-تمرد الزرقاء (مارس-أبريل 1957), الانتفاضة الشعبية في الأردن-الملك حسين يستنجد بالولايات المتحدة (24 أغسطس 1957), الأسطول السادس الأميركي يرسو قبالة بيروت (28 أبريل 1957)... زيارة الملك سعود إلى عمان (10 يوليو 1957)-أهو السلام أخيراً? "لا معنى للاستقلال من دون وحدة".
في السيرة يقول المؤلف, إنه بعد وفاة الابن البكر للملك عبد العزيز واسمه تركي, قرر أن يكون ابنه الثاني سعود خليفته. وفي 11 مايو 1933, خلع عليه لقب ولي العهد, ودعا أعيان المملكة إلى مكة لمبايعته, ما يعني أنه اختاره رسمياً ولياً للعهد.
ويضيف: أمور كثيرة في ماضي الأمير سعود تبرر هذا الخيار, فظروف ولادته وحدها تهيئه على ما يبدو لاعتلاء العرش, أفلم يبصر النور في الكويت في 3 شوال عام 1319, للهجرة (15/1/1902 ميلادي), فيما كان أبوه يستعيد عاصمته? فكان بلا أدنى شك (طفل النصرة), وقد ألهبت هذا الحدث مخيلة العرب الذين اعتبروه فأل خير, كان في سن الخامسة عندما عهد به أبوه إلى أحد العلماء الشيخ عبد الله المفيريح, ليتعلم على يده تجويد القرآن, ثم نشأته في مدرسة الصحراء الصارمة, التي عودته الاكتفاء ببضع ثمرات زاداً, وقضاء أيام بطولها على صهوة الجواد. وفي مرحلة مبكرة, أثبت الأمير سعود صفاته الحربية, مع التزامه الشديد بواجباته الدينية. وأوكل إليه أبوه مهمته الرسمية الأولى عام 1914, ففي سن الثالثة عشرة سافر إلى قطر وقابل أميرها لتلقي استسلام عدد من القبائل المتمردة, وفي السابعة عشرة, تميز في معركة تربة في (13 يونيو 1918) التي أشرعت أمام السعودية أبواب الحجاز, ثم حارب في حائل واليمن, وفي عام 1934, أثناء الحج في مكة, انقض أربعة قتلة على الملك عبد العزيز, فتلقى الأمير سعود الذي حماه بجسده الطعنات التي كانت موجهة إلى الكتف اليسرى لأبيه. وفي السنة التالية, ذهب في جولة على بعض العواصم الأوروبية. وفي عام 1937, مثل والده في حفل تتويج الملك جورج السادس, وبعد تعيينه على التوالي أميراً على نجد, ثم أميراً على الحجاز, تلقى دعوة من واشنطن أرسلها إليه الرئيس "ترومان", فكون على هذا النحو فكرة أولية عن القوة الأميركية عام (1946), وعندما اعتلى العرش خلفاً لأبيه في 9 نوفمبر 1953, بوصفه إماماً للمسلمين وعاهلاً للسعودية, كان يبدو أن الملك سعود الأول يجمع في شخصه كل الصفات المطلوبة لممارسة السلطة الدينية والسياسية في آن واحد. وفي الحقيقة يقول "ميشان" قلما كان ولياً للعهد يشبه سلفه إلى هذا الحد, وإذا كانت الملكية تعني الاستمرارية, فلدينا في هذه الحالة مثال صارخ على ذلك, بل لكأن الرجل نفسه ظل يتولى مقاليد الحكم, ولكنه استرد شبابه فرجع عشرين سنة إلى الوراء..
في السيرة والتحولات, يصف الكاتب الملك سعود الأول وقد تجاوز الخمسين وأنجب نحو 40 ابناً, كان يشابه أبيه في كل شيء في الطول والهيئة والزي والطباع, وقد بايعت الرعية في جدة الملك سعود الأول في 17 نوفمبر 1953, حسب ما تقتضيه الأعراف والتقاليد, أتى الأمراء وكبار موظفي البلاط وأبرز أعيان المملكة لتأكيد المبايعة له, حين كان الوالد على قيد الحياة, استقبل العاهل الجديد تباعاً الشخصيات التي جاءت لمبايعته, وكان قسم المبايعة بحسب الطقوس المعروفة, يتقدم رؤساء الوفود حتى أسفل كرسي الملك للسلام على الملك, فيقوم بإنهاضهم, ويتودد إليهم بالكلام, ويدعوهم للانسحاب, إفساحاً في المجال للوفود الأخرى, ثم يأتي دور العلماء "حكماء" المسلمين الذين يقودهم الشيخ محمد بن ابراهيم, مفتي الديار السعودية وهو أرفع شخصية دينية بعد الملك, ثم يليهم الأمراء الملكيون, والأمراء الآخرون, وكبار موظفي البلاط, وعددهم ألفان, ويعقب هؤلاء قادة الحرس الملكي وقادة الجيش, ويخصص بعد الظهر لاستقبال الوفود الأجنبية, الهيئة الديبلوماسية, بكامل أعضائها, والخبراء الفنيين, الأوروبيين, والإداريين في شركة "أرامكو", ويتوجه الملك إلى كل فردٍ منهم بكلمة ترحيب مقتضبة وهو يومها بادر المهندسون الأميركيون قائلاً: "ما يثير اهتمامنا في الحضارة الغربية, هو كل تجربة في مجال الفنون والعلوم والتقنيات والثقافة التي من شأنها, أن تمنحنا القدرة على صون تراثنا القومي وتعزيز تطورنا". فأجاب الإداريون في "أرامكو": "نؤكد لجلالتكم ولحكومتكم وللشعب العربي بأكمله, أن شركتنا سوف تظل تقود أنشطتها بما يعود بالفائدة على المصالح المشتركة للبلاد والشركة.
واختتم ذلك اليوم بمأدبة حضرها 600 مدعو في القاعة الكبرى للقصر الملكي, فيما راحت الجماهير المبتهجة تذرع الشوارع وسط الدراجات النارية والمفرقعات, وشعر الجميع, بتوجس غامض ينجلي عن صدورهم, فقد انتقلت السلطة من دون عراقيل كما شاء الملك الأب. فلم يطرأ ما يعكر صفو أجواء الاحتفالية ولم يقع أي حادث.
بعد سرد وقائع السيرة وكيفية تسلم مقاليد الحكم, يستعرض الكاتب مسرح أحداث واسع, يمتد من مصر إلى باكستان, محللاً كيفية نهوض الجيش التركي وتأميم المنشآت النفطية في إيران, وأزمة الأردن التي أسفرت عن انقسام الشرق إلى معسكرين متخاصمين: "التحالف المقدس" للملوك ضد الجمهوريات التقدمية, على خلفية اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
وتتضح قيمة الكتاب, باعتباره وثيقة مهمة, توضح مواقف الملك سعود الأول تجاه حلف بغداد وقضية البريمي والقومية العربية, ومشروع إيزنهاور وأزمة قناة السويس وقطع العلاقات, ووقف إمدادات البترول عن فرنسا وبريطانيا, ونتائجها على الاقتصاد السعودي.
وأخيراً نستطيع القول بأن الكتاب يعتبر إضافة للمكتبة العربية, فهو أحد الشهود على ما التاريخ العربي المعاصر للشرق الأوسط, كما انه يسلط الضوء على يطلق عليه المؤلف "الشرق الأوسط في زمن التحولات", فيصف جملة الأزمات والانقلابات المتقاطعة منذ أواخر الحرب العالمية الثانية حتى شهر أغسطس 1957.