الإثنين 10/05/2010م
فهد الشريف
* الفترة الأخيرة شهدت صحوة إعلامية لتاريخ الملك سعود.. فكيف ترين هذا التاريخ، وإعادة هذه الصحوة؟
الملك سعود لم يُمحَ من ذاكرة الأمة أبدًا. كان هناك سوء فهم للحالة السياسية في ذلك الوقت. في حالة الشعوب العربية، فإن مَن يُراد محوه ينسى من كان قبله. لم يكن الوالد حالة استثنائية، بل كان ذلك جزءًا من الجو العام. تعاقب ثلاثة ملوك، وأبناء الملك سعود كانوا يطالبون على الدوام بصورة مباشرة وغير مباشرة، بإعادة صياغة تاريخ الملك سعود، ووضعه في إطاره الصحيح للأجيال القادمة ضمن المقررات الدراسية. وتم وعدنا في مرات كثيرة بأن تتم دراسة الموضوع. ما حدث من تأجيل لم يكن مقصودًا من قبل أيٍّ من الملوك السابقين، إنما كانت هناك أولويات. الأولويات في ذلك الزمن مثل الأمن الداخلي والحالة الدولية التي كان يمر بها العالم مثل الحرب الأمريكية الروسية الباردة، وحرب أفغانستان وتأثيرها. كل هذه الأحداث كان لها تأثير مباشر في عدم إكمال ما كنا نريده، وعندما جاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- كان داعمًا رئيسيًّا لهذه الفكرة.
نقطة البداية
* ما هي الخطوات الأولى لإعادة كتابة تاريخ الملك سعود؟
تقدمنا نحن أبناء وبنات الملك سعود بهذا الاقتراح، وكانت نقطة البداية هي افتتاح متحف، ومعرض الملك سعود بالرياض ضمن سلسلة إحياء ذكرى ملوك المملكة العربية السعودية. وكان من أكبر الداعمين لهذا المشروع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو نابغة في التاريخ والثقافة التراثية وخاصة في سيرة آل سعود. كذلك دعمتنا دار الملك عبدالعزيز، وكان المحرك الرئيسي لكل هذه المحاولات شقيقتي الكبرى الأميرة فهدة بنت سعود رئيسة الجمعية الفيصلية، وكذلك الدكتور سلمان بن سعود بن عبدالعزيز، بجانب كل بنات وأبناء الملك سعود. كلٌّ دعم بحسب قدرته ومعرفته.
تكوين المظلة
* هل هناك مظلة أو مؤسسة تضم هذه الأنشطة؟
لم تكن هناك في البدايات مظلة. وعلى كثرة عدد أبناء وبنات الملك سعود فلا توجد مظلة تجمعهم. كل المظلات كانت ضيقة لتجمع هذا العدد الكبير، ولم يكن هناك مشروع معين لجمعهن أو أن يكون هناك توجه مدعوم من الدولة بعد اتفاق الجميع على المعرض. لكن بعد أن أعطانا الملك عبدالله الضوء الأخضر، ووجدنا الدعم من الأمير سلمان، كما كان الأمير عبدالعزيز بن فهد هو الداعم الرئيسي الذي ساعدنا كثيرًا في جمع المعلومات والدعم المالي، وإعطاء المعرض هذه الصفة الإقليمية حتى إصدار الكتب والكتيبات وجمع المعلومات لأنه من العاشقين لسيرة الملك سعود. في ما بعد، وبعد أن انتقل المعرض من الشرقية إلي البحرين قررنا منذ حوالى سبع شهور باقتراح من الأمير محمد بن سعود والأميرة فهدة بنت سعود أن تكون لنا مظلة نجتمع تحتها كمؤسسة الملك سعود لمتابعة إعطاء الجوائز والدراسات لتاريخ الملك سعود وسيرته وإنجازاته، وفي ما بعد نطمح في المستقبل، لأن يكون هناك كرسي في إحدى الجامعات البريطانية لدراسة تاريخ الملك سعود.
أميرات مظلومات
* ننتقل إلى مجتمع الأميرات الذي يجهله كثير من العامة ويعتبرون أن به جانبًا كبيرًا من الغموض أو الترف.. كيف يمكن أن يكون هناك تواصل بين مجتمع الأميرات وبقية شرائح المجتمع؟
مثل كل المجتمعات في العالم هناك جفوة بين الطبقة المخملية والطبقات الوسطى والعادية. في كل المجتمعات مثل فرنسا تجد أن الطبقة المخملية لا تمت بصلة للطبقات الوسطى والعامة. في بريطانيا كذلك فإن العائلة المالكة لا تجد من أفرادها من يمشون في الشوارع مع الناس العاديين. هناك غموض حول هذه الطبقة. نحن لا نختلف عن أي عائلة مالكة. الحاجز لا يمكن كسره إلاّ بواسطة الطرفين، بأن يتقبل الشعب هذه الطبقة كأميرات وأمراء. في نظري فإن السيدة والرجل هما المجتمع. شخصيًّا لا أميز بين أمير وأميرة أو رجل وامرأة في المجتمع. أتحدّث عن الإنسان كإنسان. الأميرات في بلادنا مظلومات جدًا؛ لأن الفئة كبيرة، وحقيقتها لا تمت للصورة النمطية المطبوعة في أذهان الشعب عنها. معظم الأميرات اللاتي أعرفهن بسيطات، ويأكلن مثل ما يأكل بقية الشعب، ويذهبن إلى السوق، ويتسوقن كالأخريات ويذهبن إلى أعمالهن، ويقمن بكل الأعمال الروتينية التي تقوم بها كل ربة منزل. بالمقابل لا بد أن تبدو أمام المجتمع بصورة معينة وضعها لها المجتمع. عندما تتصرف الأميرة في أي مجتمع فإن تصرفاتها تحسب عليها وليس لمصلحتها.
* ولكنا لا نرى من الأميرات عاملات في مؤسسات الدولة؟
العمل بالنسبة لي متعة في حد ذاته أكثر منه مدخلاً للرزق.
المرأة العربية عامة عندما تضمن مصدر رزقها فإنها لا تحبذ الخروج والعمل، بل تحب السهر والجلسات الاجتماعية والأنشطة التي تؤمها سيدات المجتمع والطبقة الوسطى كالمؤسسات الخيرية. لكني أرى أن هذه الأنشطة صورية وليست حقيقية. وهذا يرجع إلى التنشئة. نشأنا كبقية النساء العربيات اللاتي هن على قناعة أنه ما دام لديك ما يكفيك، فلماذا تذهبين إلى العمل. شخصيًّا أصحو من النوم مع أولادي، وأذهب إلى عملي وكثيرات يسألنني هذه الأسئلة، وينتقدنني. لا توجد حياة للعامة وحياة أخرى لمن نشأن في طبقات مخملية. الحياة متشابهة للجميع. الأميرات لا يختلفن عن البقية، وببساطة ليس كل ما يعرف يُقال.
حرية الرأي والانتخاب
* بصفتك أميرة وناشطة في الشأن الحقوقي.. لماذا نجد أن المرأة مغيّبة عن الانتخابات مثل المجلس البلدي؟ وما هي وجهة نظرك في هذا الأمر؟
عندما ينتخب الرجل ما هي فعاليته؟ لماذا على المرأة أن تدخل في هذا المجال؟ المرأة أذكى من الرجل، وتري أن تطور من مجتمعها، وتريد أن يكون المجتمع أكثر فعالية، وهذا لا يوجد في الانتخابات أو وظيفة الذي ينتخب.
حقيبة وزارية
* متى تتولّى المرأة حقيبة وزارية ونراها في مجلس الوزراء؟
أتمنى من الملك عبدالله أن يعطي المرأة هذه الفرصة في عهده، وأرجو أن يكون ذلك قريبًا. سبق لي أن كتبتُ مقالاً ردًّا على الشيح عائض القرني عندما استشهد بملكة سبأ. أرى أن ملكة سبأ لو كانت رجلاً لقامت الحرب بينها وبين سيدنا سليمان، كذلك لو كانت أمانة مدينة جدة في يد امرأة هل كانت ستتصرف هذا التصرف وتبيع مخططات الموت دون رحمة للعامة؟
محاسبة المسؤول
* كيف ترين ملف الفساد المالي والإداري في جدة بعد أن تم فتحه على مصراعيه؟
أنا سعيدة جدًّا لفتحه، وأدعم هذا التوجه في تسليط الضوء عليه. مدينة جدة منذ أن عرفتها وقرأت تاريخها منذ زمن بعيد لم أكن أنظر لها بمرآة الناقدة، أو المفتشة، أو الكاتبة بل كإنسان يعيش فيها. كنت دائمًا أتساءل عن المسؤول عن هذه التشوهات في مدينة جدة؟ مَن هو المسؤول عن تردّي البنية التحتية في جدة. كل ما أسمع عن الميزانيات الهائلة التي تقدم في الخطط الخمسية للبنية التحتية في جدة كمجارٍ ومياه وكهرباء كنت أتساءل: أين تذهب هذه الأموال؟ خلال العامين الماضيين بدأت أكتب عن الفساد في جدة، كتبت أكثر من عشر مقالات عن هذا الموضوع. قبل يومين من إصدار الملك قرارًا بمحاسبة المسؤول كائنًا مَن كان كتبتُ عن هذا الموضوع في صحيفة المدينة، وفوجئت بأن نفس الجملة مستخدمة من المكتب الإعلامي للملك، «محاسبة المسؤول كائنًا من كان». وهذا بحد ذاته شرف لي، ونقطة تحوّل نستطيع الانطلاق منها. لا أقول إننا انطلقنا أو سنتحصل على نتائج فورية. لا زال الوقت مبكرًا على ظهور هذه النتائج لأن المسؤولية لم تتضح بعد، وليست واضحة للعيان. هناك تساؤلات يومية عن مصير اللجنة التي تم تكليفها، وأين النتائج؟ ومن هو المسؤول؟
أنجح المنتديات
* من واقع حضورك لمنتدى جدة الاقتصادي هذا العام.. كيف ترين هذا المنتدى في جولته الأخيرة؟
قد تستغرب من وجهة نظري لأني أعتبره من أنجح الدورات مع قلة الحضور، وبالذات الحضور النسائي وقلة المشاركين ذوي الأسماء الرنانة الذين تعودنا عليهم وعلى دفع الملايين لهم. أرى أن هذه الدورة من أكثر الدورات نجاحًا. قد تسألني: لماذا؟ وأقول لك لأنه عالج القضايا ببساطة وتناول القضايا الحالية التي يعاني منها العالم بتركيز، وليس بتعميم. وكان المشاركون بسيطين. بالمقابل لم تكن للحضور الثقافة الكافية، واكتفى المشاركون بالمشاركة فقط. الحضور النسائي على وجه الخصوص كان ضعيفًا جدًّا وهذا ما استغربته لأن المحاضرين كانوا مثقفين جدًّا. لكن قناعاتي ازدادت بعد هذا المنتدى بأنه إن لم توجد الأسماء الرنانة لا يمكن أن ينجح مثل هذا المنتدى لأن رجال الأعمال وسيداتها يركزون على الهالة أكثر من المضمون. ذهبت في يوم البيئة لأن لديّ مؤسسة تعنى بالبيئة. هذه المؤسسة لها وكالة مؤسسة عالمية معنية بتصريف المياه والمجاري بتقنية صديقة للبيئة، وليست ضارة وتقوم بتنقية المياه بنسبة 80%. أخذت هذه الوكالة لأني مهتمة بالبيئة والتسمم الإشعاعي، والتربة الخالية من الكيماويات، ولي باع في هذا المجال فقد كان لي في إنجلترا مزرعة من هذا النوع. فقد فوجئت عندما عدت للمملكة في سنة 1998م بالأمراض التي نعاني منها في المملكة نتيجة التلوث البيئي الناتجة، وفي السابق لم نكن نعرف هذه الأمراض.
استرقاق المرأة
* لماذا نجد أن المرأة دائمًا ورقة ضغط يستخدمها العالم الخارجي ضد المملكة؟
لأن المرأة هي نقطة الضعف في مجتمعنا. هؤلاء الناس يركزون على نقطة ضعفنا. استغلوا نقطة ضعف المجتمع السعودي تجاه المرأة، واستخدموها ضده، وصارت منطلق قوة لهم. هناك المتشددون الذين ينادون بأن تبقى المرأة في بيتها، وأن تغطي وجهها، وأنها عورة كلها، وأن تكون المرأة في مكان خاص والرجل في مكان خاص، وأن المرأة هي سبب الغواية، وأنها سبب كل المشكلات وسبب الطلاق، وسبب سيول جدة (ضاحكة). لم يتركوا مشكلة إلاّ وجعلوا المرأة سببًا لها. مَن يناصر المرأة يصفونه بأنه علماني. نقطة ضعفنا صارت المرأة فانشغلنا بقفازاتها، وعباءتها الفرنسية والإيطالية، وهل العباءة ضيّقة أم واسعة، أم أن أكمامها طويلة! من البديهي أن يستخدم الغرب هذه النقطة ضدنا؛ لأنها حلقتنا الأضعف.
سيطرة ذكورية
* كيف ترين الإعلام السعودي في الوقت الحالي؟الإعلام الذكوري أم الإعلام النسائي؟
* الإعلام بشكل عام؟
الإعلام بشكل عام ليس إعلامًا.
* ما مفهومك للإعلام الذكوري؟
هو المسيطر؛ وحتى المجلات النسائية التي تُعنى بالنساء لا تديرها نساء بل رجال. هذه في حد ذاتها رسالة. الرجل مسيطر تمامًا على الإعلام السعودي، من منطلق أنا أرى وأنت لا ترين، وأنا آمر وأنت تكتبين. أكتب اسمي، وأنت تختفين. لا توجد حقوق للإعلامية مثل الرجل، لا توجد مراعاة لأوقات العمل مثل الرجل. كامرأة مسلمة لا يوجد لها اعتبار، ويستمر عملها في بعض التكليفات الميدانية حتى الحادية عشرة ليلاً، مع أن لها أبناء وزوجًا. لا توجد مراعاة. الناس كلها تعمل نهارًا أمّا الإعلاميات السعوديات فيعملن ليلاً. لديهن دوامان. لا توجد مراعاة لا في الأجر، ولا في الحقوق. المرأة الإعلامية فقدت كل حقوقها في مجتمع الإسلام. الإعلامي الرجل يأخذ حقوقه بالكامل نتيجة لمحسوبية وأمور معينة. كل مَن يقول لك إن الإعلام حر، فهو يتحدث عن خطوط عريضة لا وجود لها على أرض الواقع. لديّ أمل في الدكتور عبدالعزيز خوجة، وأنا أعرفه شخصيًّا لأني كنت أعيش في المغرب، ولمدة سنتين عندما كان سفيرنا هناك. كان لديّ أمل كبير أن يلجأ لتغيير المنظومة المعروفة عن الإعلام بمجرد تسلّمه مقاليد الوزارة. وما زال لديّ آمال كثيرة في جهاز الإعلام وفي وزير الإعلام والثقافة الدكتور عبدالعزيز خوجة، كما أنني متأكدة بنسبة 100% من أن الملك عبدالله -حفظه الله- قد أعطى الضوء الأخضر لكل الجهات لفرض وتنفيذ القرارات التي صدرت من الديوان الملكي، ولم تجد طريقها للتنفيذ. ستظل هذه القرارات لسنوات إن لم يكن للوزراء نقطة تحول.
رفض االمرأة الذكية
* كيف ترين التأخر في تأنيث المناصب العليا، وبعض المناصب كان من المفترض أن تتولّاها نساء؟
من هذه المناصب الإعلام. السيطرة الذكورية لا تعطي المرأة الحق في بعض المناصب التي يتشبثون بها بأيديهم وأرجلهم، ولا يتركون للمرأة الفرصة كي تصل إلى نفس مستوياتهم.
هناك نقطتان أساسيتان:في المملكة لدينا عقدة المرأة، فهي ليست شريكًا وليست بنفس المستوى الفكري للرجل. هذه هي عقدة الرجل الذي يحب أن يتزوج المرأة الغبية. قليل من الرجال الذين يمكن أن تجلس معه الزوجة، وتتباحث معه كشريك حياة. معظم الرجال في مجتمعنا لا يتقبّل المرأة الذكية، ولا يتقبّل المرأة القائد، ولا يتقبّل المرأة في المناصب.
* هناك مَن يستند إلى الناحية الشرعية؟اذكر لي آية واحدة في القرآن تمنع المرأة من تولّي المناصب؟ هل هناك آية في القرآن بهذا المعنى؟
* وقرن في بيوتكن؟هذه الآية خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وليست عامة. حتى القرار في البيت لا يعني عدم القيادة، أو عدم العمل. لكل زمان دولة ورجال. «ربّوا أبناءكم على القرن الذي بعدكم».
لا توجد آية واحدة واضحة في القرآن تقول إن المرأة لا تتسلّم منصبًا.
لذلك فإن الأزهر كانت به قارئات من النساء. أليسوا مسلمين مثلنا؟ هل أتينا نحن من المريخ، أو من زحل؟
ضد الإفتاء
* هل يمكن أن يكون لدينا إفتاء نسوي؟أنا لا أؤمن بالإفتاء بصورة عامة. لا توجد في قاموسي الشخصي كلمة إفتاء. الكل أصبح يفتي.
عندما تفتح التلفزيون تجد كل البرامج في الإفتاء، وكل واحد يفتي بما لا يعلم به. هذا تسبب في صراع للإنسان مع نفسه وقيمه ومجتمعه، وحتى في علاقة الإنسان مع نفسه وأهله ومجتمعه وأبنائه. مساحة التحريم صارت متسعة، والحلال أصبح بسيطًا، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «بشّروا ولا تنفّروا»، و «يسّروا ولا تعسّروا» والقرآن يقول: «إن مع العسر يسرًا» وليس إن مع اليسر عسرًا. الله سبحانه وتعالى ذكر الجنة والنار بنفس الطريقة.
هناك تطرّف في فهمنا للدّين الإسلامي؛ لأننا نتبع الآخر ليفتي لنا. ليس لنا منطق، أو عقل، أو رؤية واقعية للأمور لنقارن بين سيرة خير البرية محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام وبين واقعنا.
قرأتُ كتب كل المذاهب الشافعية والحنبلية والمالكية والأحناف.. وليس فيها ما نحن عليه الآن من تشدّد وتطرّف وغلظة.
* على أي مذهب أنت؟إنني أحترم كل المذاهب، وأقتدي بها، وأتبع ما شرعه الله في القرآن، والسيرة النبوية، وما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام، وأتدبر القرآن، وأراجع التفاسير للتأكّد من المعاني.
* هناك رأي متشدّد ضد الرياضة النسائية.. ما رأيك بصفتك مهتمة بهذا الجانب؟لست مجرد مهتمة بالرياضة النسائية، بل أنا ممارسة لها، ومشجعة لها بالدرجة الأولى. الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «علّموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل»، ولم يقل علموا ذكوركم، أو فتياتكم. كذلك كان صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة -رضي الله عنها- وكانت الصحابيات يشاركن في المعارك.
كيف ستشارك الصحابيات في المعركة، إذا لم يكنّ على علم تام بفنون القتال؟ لا بد أنهن مدربات قتاليًا وعلى ركوب الخيل والإبل.
هذه كانت معروفة لديهم كرياضة. نحن أولى في هذا العصر بالرياضة، وذلك لتجنّب كثير من الملهيات التي تهدد شبابنا وفتياتنا.
لا بد أن نصرف نظر الفتيات عن المولات والتلفزيونات، وترهل الأبدان، وضياع القيم الأخلاقية، وملاحقة الأولاد، والبلوتوث، والإنترنت بممارسة الرياضة مثل الرماية وركوب الخيل والسباحة والرياضات المختلفة لإفراغ الطاقات وإشغال الفتيات في المرحلة الانتقالية ما بين سن الطفولة والبلوغ وسن الزواج.
هذه مرحلة خطرة وخلالها يتم الانحراف.
لماذا لا أصرف نظر الفتيات عن هذه الأمور الحرام، وأمنعها من الحلال؟ حرام أن تمنع المرأة من الرياضة. ما يفعله بعض شيوخنا الموقرين من تضييق على الإناث في المملكة يدعو للعجب، ويصرف النظر عن الحلال إلى الحرام. هناك مفهوم خاطئ أو مغلوط لهذه القضية.
الأحاديث المروّية التي لا تتفق مع السيرة النبوية لا آخذ بها بغض النظر عن ضعفها أو قوتها. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول «استفتِ قلبك وإن أفتوك»، والقلب هنا هو العقل.
عنف أسري
* العنف الأسري أصبح ظاهرة موجودة بقوة في مشهدنا المحلي.. لماذا ظهرت في هذا الوقت؟تكشفت بواسطة الانفتاح الإعلامي وهي ظاهرة موجودة منذ قرابة العشرين عامًا. قبل خمسين عامًا، ربما كان العنف الأسري موجودًا لكنه حتما كان حالات فردية، وليس كظاهرة.
أما كظاهرة فنحن نعاني منها من قرابة 20 سنة وكانت مخبأة تحت ستائر الدّين والحرام. زنا المحارم عقوبته معروفة. أشياء بسيطة تخرج من فم الإنسان تجاه أحب الناس إليه وهو يحاسب عليها. هذه كلها تدخل في إطار العنف اللفظي، أو المعنوي، وهو أكثر تأثيرًا على الإنسان من الضرب.
إذا تربى الإنسان على الألفاظ النابية وتحقير النفس، فماذا ستكون حصيلة الأجيال القادمة؟ من الذي سيربي الأجيال القادمة، وكيف سيربيها إذا كان هو نفسه قد تعرض للعنف؟ هناك بعض من الأساتذة جامعات والأكاديميين والشخصيات العامة تجدها تكثر الحديث عن المثل والقيم والأسس التربوية والأخلاق، وبعد ذلك يضرب أسرته، ويعنّف زوجته. هذا واقع في المجتمع.
موقف في الذاكرة
* كنت صغيرة عندما توفي الملك سعود.. لكن ما هي أبرز المواقف التي لا زالت راسخة في ذاكرتك؟موقف واحد أذكره له، وهو ضبابي في ذاكرتي. كان إنسانًا بسيطًا ولم يكن يدور في بالي أنه ملك لأني لم أكن أدري ما تعنيه كلمة ملك. كذلك كان هو يتعامل بطبيعته. كان يجلس مع أطفاله الصغار، وكنا في أعمار متقاربة.
كنا حوالى 12 طفلاً وطفلة، وكان يجلس على الأرض بدون الغترة، وبيده صحن به أكل، وكان يأخذ الملعقة ويدور علينا فردًا فردًا ويضع الطعام في أفواهنا. لم أنس هذا المنظر، ولن أنساه بثوبه البسيط.
كنت مبهورة من طوله لأنه كان بطول مترين، و12 سم وكان عريض المنكبين. هذا المنظر لا يزال باقيًا في ذاكرتي، ومعه الشعور الذي تسلل إلى أعماقي بجلسته تلك. هذا الرجل الإنسان الحنون الأب الذي أعطانا كل شيء.
* لاحظت على جوالك الشخصي صورة الملك سعود؟لست من وضعها على الجوال، بل ابنتي هي من فعلت ذلك. أبنائي عاشقون للملك سعود بقلوبهم وعقولهم ويفتخرون به لأنه يلقب «بأبو الخيرين» ولديهم اعتزاز كبير بهذا الاسم. حكيت لهم كثيرًا من المواقف الإنسانية للملك سعود.
إضافة لذلك فإن والدهم من المدينة المنورة، وأهالي المدينة لديهم ذكريات جميلة جدًّا عن الملك سعود.
كان يجلس مع الأشراف في أماكنهم، وكانوا يحبونه. لهم ذكريات جميلة معهم. جدتهم لأبيهم -رحمها الله- روت لهم هذه الذكريات وهي عزيزة عليهم. فكانت سيرته في قلوبهم دائمًا، وأخبرتهم جدتهم أنه كان يأتي بجنيهات الذهب ويوزّعها على الناس في المدينة المنورة.
هذه الذكريات جعلتهم يحبونه بشدة كجد، وهم يفخرون بانتمائهم لهم. وابنتي تعرف أنني أحب هذه الصورة للوالد، وعمره 25 سنة.
عندما وجدتها في أحد الكتب صورتها لي، وأنزلتها في جوالي، فاحتفظت بها رغم أني أكره حفظ الصور على الجوالات. ولكن محبتي لوالدي، وإرضاء الأولاد هما سبب احتفاظي بهذه الصورة على جوالي.
شخصية بوهيمية
* في المجال الشخصي أرى أنك وعلى غير العادة تزوّجت من خارج العائلة المالكة.. فهل هذا موجود بكثرة وسط أميرات العائلة؟بالتأكيد هنّ قلة. لكن الأمر في الأول والآخر نصيب وقدر من الله سبحانه وتعالى. ربما تقول عني ما قلته عن نفسي من أنني شخصية بوهيمية لا أحب التقاليد، ولا ألتزم بها ولا أتقيّد بالتراث، أو العرف الاجتماعي، أو أي إطار محدد.
ولدت حرة، وسأموت حرة، والإسلام هو من أعطاني الحرية في القبول والرفض، ما دام الأمر شرعيًّا.
ما دام ليس هناك ما يقف ضد هذا الزواج الشرعي، فلماذا لا يكون؟ لا أحب أن أتعامل مع الإنسان كاسم، ولكني أتعامل مع الإنسان كإنسان.
أنا من القلة التي تزوجت من خارج الأسرة بمحض إرادتهم.. في البداية كان من الصعب على إناث الأسرة المالكة أن تتزوج من خارجها. فكنت أنا وبعض من أخواتي من القلة اللاتي فعلن ذلك.
فقد تزوّجت من الأشراف. وقبل خمس سنوات انفصلت عن زوجي بالتراضي، وهذا لم يكن مشكلة أمامي؛ لأني لا أؤمن أن الطلاق عيب أو مذمة، بل هو أمر عادي أحلّه الإسلام. الزواج والطلاق اختيار شخصي كما أنهما قدر.
وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم. البُعد الثاني من الأمر أنه لا بد أن يكون هناك اختلاط بين القبائل: “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”.
فجدّي الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تزوّج من كل القبائل، وكذلك والدي -رحمه الله-.
أحببت أن أكون واحدة من البادئين بالتغيير كامرأة. كما أنني من المحبين للرسول عليه الصلاة والسلام، ولآل بيته. كذلك أنا دارسة بعمق لتاريخ الأشراف، وتاريخ آل بيت النبوة، وأفتخر بأنني قد تزوّجتُ وأنجبتُ من هذه السلالة الطيبة، وقد أصبح عندي كنز من المعلومات التي لا تُقدّر بثمن لهذه العائلة النبوية ذات الشجرة الطيبة .
مناخ سيئ
* ما هو رأيك في ما تجده سيدات الأعمال من مضايقات في سبيل القيام بأعمالهن التجارية؟لي تجارب، وليس تجربة واحدة. عشت هذا الواقع. أرى أن المناخ العام في المملكة العربية السعودية لا يناسب الرجل ولا المرأة على السواء، والعواقب تواجه كليهما.
وكانت إحدى العوائق للمرأة هو الوكيل.
ولكن كإجراءات تنفيذية، وقانونية فكلنا (في الهوى سوا). المناخ الاقتصادي والاستثماري في المملكة ملوث ببعض القوانين التي تعيق التقدم الاقتصادي والاستثماري.
* ما هي الأسباب؟
نظام العمل والعمال، ونظام التجارة المعمول به منذ عشرات السنين. كيف تريد من أكبر دولة مصدّرة للبترول في العالم، ودخلت المنظومة العالمية، ولكن أنظمتها تنتمي للعصر ما قبل الحجري التي عفا عليها الزمن، فلم يتم تطويرها، أو تحديثها، ولا تزال عقيمة، ولم تنتج شيئًا؟ عندما تريد أن تصدّر، أو تستورد تجد عوائق لا حدود لها، فقد أصبحنا من الشعوب الكسولة التي لا تريد الاستثمار، ولا التصدير، ولا التطوير، ولكن فقط التقليد بدون وعي للجو العام، فأنظمة العمل الموجودة في المملكة لا تواكب العصر، ولا تناسب طموحاتنا، وسرعة التطور الموجود في العالم.
فلا نملك حتى البنية التحتية المفعّلة لقوانين العمل والعمال في وطننا.
أجهزة متهالكة
* في مقالين مختلفين كتبتُ عن وزير الشؤون الاجتماعية، وقلتُ له مصيبة ألاّ يعلم، وقلت إن الدكتور القصيبي يتحدّث أكثر ممّا يعمل.. كذلك هناك مقالات انتقدت فيها بعض الوزراء، فهل كانت هناك ردود أفعال لما كتبته؟نعم. هناك ردود أفعال، وجاءتني مكالمات هاتفية من وزراء ومديري مكاتب يناقشونني في هذه المقالات، ويوضحون لي النقاط المغلوطة، ويذكرون لي بعض المعلومات. وللأسف يضعون نقاطًا ضدهم، وليس لمصلحتهم، ويناقضون أنفسهم بأنفسهم. لا أتحدّث عن أشياء مروية لي، فأنا أتعامل مع الناس مباشرة.
المشكلة أنهم يعتبرون ما أكتبه هجومًا، بينما هو في الواقع توضيح. فقد تحاورت مع نائب وزير العمل، وسألته: هل تعلم أنه تتم رشوة كثير ممّن يرتبطون بمنح التأشيرات. فسألني هل تعلمين اسم واحد من هؤلاء المرتشين فقلت له نعم، فسألني عن اسمه، فقلت له ماذا ستفعل؟ وماذا سيكون الناتج؟ إذا تم فصل هذا الموظف سيرتشي غيره.
عندما نتحدّث عن المشكلة ونبحث عن كيفية حلها، يقولون لك كيف عرفت؟ فلا توجد حلول جذرية.
ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بميل. فالملك عبدالله -حفظه الله- يريد القضاء على الفساد.
وقد أصدر قرارات وإجراءات سريعة لتقليل حجم الفساد. فلا بد أن نزيل الفاسد، ونستبدل به الصالح، فعندما نزرع نبتة طيبة في تربة فاسدة، فسوف تفسد بدورها. الخلل ليس في المؤسسة التشريعية، وإنّما في المؤسسة التنفيذية؛ لأنها قد أصبحت أجهزة متهالكة.
* تعرّض موقعكِ الإلكتروني لعملية اختراق.. فما تعليقكِ؟كان اختراقًا كبيرًا، وتم كذلك اختراق بريد القرّاء الذي أراسل فيه الكُتّاب والقرّاء، وأساعد فيه بعض الناس. بعض الحالات تردني، وهذا هو الموقع الذي أتواصل فيه مع مشكلات وهموم الناس.
كثير من مقالاتي كنتُ أدعمها ببيانات من الرسائل التي تردني.
بعض الناس لا يستطيعون أن يبوحوا بما لديهم من معلومات، ولكني أفعل. أقوم بتجميع كل ما يردني، وأصنع منه مقالات.
القرصنة كانت كالماء البارد الذي نزل على رأسي، فجعلني في حالة تجمّد. أحسستُ أنه لا يوجد قانون يحميني. كذلك بقلة أهمية الإنسان، وخصوصياته في مجتمعنا.
أرسلت المقال لوزير الإعلام، وطالبت في خطاب آخر بإصدار قوانين تحمي المواقع، وتحاسب المتطفّلين. ولكن إلى الآن لم يتم أي إجراء حيال هذه القضية المهمة الوطنية.
* كلمة أخيرة إذا كان هناك ما تريدين أن تقوليه، ولم نسألكِ عنه؟أشكر صحيفة “المدينة” على إتاحة الفرصة لي للكتابة فيها. فالمدينة من الصحف التي أفتخر بكتابتي فيها، وهي من الصحف الصريحة في طرحها للأمور، وأحترم جدًا الكُتَّاب الموجودين فيها.
كذلك أشكر الله تعالى أن وصلنا الآن إلى عصر التغيير بقيادة الملك عبدالله -حفظه الله- وبدأ بصيص الأمل يظهر، وبدأنا نرى أشياء جيدة وجديدة، وهذا لا يعني أن الملوك السابقين كانوا أقل رؤية من الملك عبدالله، ولكن الأجواء المناخية لم تكن ملائمة، وإنني متأكدة أن هذا الفجر بدايات جديدة، وأن ستكون قيادتنا ومجتمعنا على مستوى انبلاج هذا الفجر، وأن سننتقل للعالم الأول؛ لأننا لسنا أقل، بل أكثر تقدمًا من الآخرين، بفضل الله ثم مرجعيتنا للإسلام كدين ودنيا.
فهد الشريف
جريدة المدينة
أرجعت الأميرة بسمة بنت سعود تأخّر إعادة صياغة تاريخ الملك سعود بن عبدالعزيز وإدراجه في المقررات الدراسية إلى الأحداث المتتالية التي مرت بالمملكة في تلك الحقبة، ضاربة لذلك مثلاً بأحداث الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي (سابقًا)، وحرب أفغانستان، وغيرها من الأحداث الأخرى، مشيرة إلى أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أولى هذا الأمر اهتمامًا كبيرًا ظهرت بوادره في المعرض الذي أقيم لتاريخ الملك سعود. كذلك أشارت الأميرة بسمة إلى أن فئة الأميرات مظلومات وأن هناك صورة نمطية لدى الشعب يجب أن تعدل، مبينة أن الواقع لا يشير إلى هذه الصورة المخملية المحفوظة في ذواكر الناس. وحول واقع المرأة في المملكة أشارت الأميرة بسمة إلى أن هناك «رق» ممارس على المرأة، منتقدة بشدة «المتشددين» الذي ضيقوا عليها بالفتاوى التي تحجر على المرأة كثيرًا مما هو مباح لها، وإلصاق كل أسباب المشاكل والأزمات بها، مشيرة إلى أن هذه النظرة للمرأة والتعامل بها استعملها الغرب ضد مجتمعنا.. كذلك انتقدت الأميرة بسمة واقع العمل التنفيذي في الوزارات، مبينة أن «الخلل ليس في المؤسسة التشريعية وإنما في المؤسسة التنفيذية.. العديد من المحاور المختلفة طي هذا الحوار مع الأميرة بسمة بنت سعود..* الفترة الأخيرة شهدت صحوة إعلامية لتاريخ الملك سعود.. فكيف ترين هذا التاريخ، وإعادة هذه الصحوة؟
الملك سعود لم يُمحَ من ذاكرة الأمة أبدًا. كان هناك سوء فهم للحالة السياسية في ذلك الوقت. في حالة الشعوب العربية، فإن مَن يُراد محوه ينسى من كان قبله. لم يكن الوالد حالة استثنائية، بل كان ذلك جزءًا من الجو العام. تعاقب ثلاثة ملوك، وأبناء الملك سعود كانوا يطالبون على الدوام بصورة مباشرة وغير مباشرة، بإعادة صياغة تاريخ الملك سعود، ووضعه في إطاره الصحيح للأجيال القادمة ضمن المقررات الدراسية. وتم وعدنا في مرات كثيرة بأن تتم دراسة الموضوع. ما حدث من تأجيل لم يكن مقصودًا من قبل أيٍّ من الملوك السابقين، إنما كانت هناك أولويات. الأولويات في ذلك الزمن مثل الأمن الداخلي والحالة الدولية التي كان يمر بها العالم مثل الحرب الأمريكية الروسية الباردة، وحرب أفغانستان وتأثيرها. كل هذه الأحداث كان لها تأثير مباشر في عدم إكمال ما كنا نريده، وعندما جاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- كان داعمًا رئيسيًّا لهذه الفكرة.
نقطة البداية
* ما هي الخطوات الأولى لإعادة كتابة تاريخ الملك سعود؟
تقدمنا نحن أبناء وبنات الملك سعود بهذا الاقتراح، وكانت نقطة البداية هي افتتاح متحف، ومعرض الملك سعود بالرياض ضمن سلسلة إحياء ذكرى ملوك المملكة العربية السعودية. وكان من أكبر الداعمين لهذا المشروع الأمير سلمان بن عبدالعزيز وهو نابغة في التاريخ والثقافة التراثية وخاصة في سيرة آل سعود. كذلك دعمتنا دار الملك عبدالعزيز، وكان المحرك الرئيسي لكل هذه المحاولات شقيقتي الكبرى الأميرة فهدة بنت سعود رئيسة الجمعية الفيصلية، وكذلك الدكتور سلمان بن سعود بن عبدالعزيز، بجانب كل بنات وأبناء الملك سعود. كلٌّ دعم بحسب قدرته ومعرفته.
تكوين المظلة
* هل هناك مظلة أو مؤسسة تضم هذه الأنشطة؟
لم تكن هناك في البدايات مظلة. وعلى كثرة عدد أبناء وبنات الملك سعود فلا توجد مظلة تجمعهم. كل المظلات كانت ضيقة لتجمع هذا العدد الكبير، ولم يكن هناك مشروع معين لجمعهن أو أن يكون هناك توجه مدعوم من الدولة بعد اتفاق الجميع على المعرض. لكن بعد أن أعطانا الملك عبدالله الضوء الأخضر، ووجدنا الدعم من الأمير سلمان، كما كان الأمير عبدالعزيز بن فهد هو الداعم الرئيسي الذي ساعدنا كثيرًا في جمع المعلومات والدعم المالي، وإعطاء المعرض هذه الصفة الإقليمية حتى إصدار الكتب والكتيبات وجمع المعلومات لأنه من العاشقين لسيرة الملك سعود. في ما بعد، وبعد أن انتقل المعرض من الشرقية إلي البحرين قررنا منذ حوالى سبع شهور باقتراح من الأمير محمد بن سعود والأميرة فهدة بنت سعود أن تكون لنا مظلة نجتمع تحتها كمؤسسة الملك سعود لمتابعة إعطاء الجوائز والدراسات لتاريخ الملك سعود وسيرته وإنجازاته، وفي ما بعد نطمح في المستقبل، لأن يكون هناك كرسي في إحدى الجامعات البريطانية لدراسة تاريخ الملك سعود.
أميرات مظلومات
* ننتقل إلى مجتمع الأميرات الذي يجهله كثير من العامة ويعتبرون أن به جانبًا كبيرًا من الغموض أو الترف.. كيف يمكن أن يكون هناك تواصل بين مجتمع الأميرات وبقية شرائح المجتمع؟
مثل كل المجتمعات في العالم هناك جفوة بين الطبقة المخملية والطبقات الوسطى والعادية. في كل المجتمعات مثل فرنسا تجد أن الطبقة المخملية لا تمت بصلة للطبقات الوسطى والعامة. في بريطانيا كذلك فإن العائلة المالكة لا تجد من أفرادها من يمشون في الشوارع مع الناس العاديين. هناك غموض حول هذه الطبقة. نحن لا نختلف عن أي عائلة مالكة. الحاجز لا يمكن كسره إلاّ بواسطة الطرفين، بأن يتقبل الشعب هذه الطبقة كأميرات وأمراء. في نظري فإن السيدة والرجل هما المجتمع. شخصيًّا لا أميز بين أمير وأميرة أو رجل وامرأة في المجتمع. أتحدّث عن الإنسان كإنسان. الأميرات في بلادنا مظلومات جدًا؛ لأن الفئة كبيرة، وحقيقتها لا تمت للصورة النمطية المطبوعة في أذهان الشعب عنها. معظم الأميرات اللاتي أعرفهن بسيطات، ويأكلن مثل ما يأكل بقية الشعب، ويذهبن إلى السوق، ويتسوقن كالأخريات ويذهبن إلى أعمالهن، ويقمن بكل الأعمال الروتينية التي تقوم بها كل ربة منزل. بالمقابل لا بد أن تبدو أمام المجتمع بصورة معينة وضعها لها المجتمع. عندما تتصرف الأميرة في أي مجتمع فإن تصرفاتها تحسب عليها وليس لمصلحتها.
* ولكنا لا نرى من الأميرات عاملات في مؤسسات الدولة؟
العمل بالنسبة لي متعة في حد ذاته أكثر منه مدخلاً للرزق.
المرأة العربية عامة عندما تضمن مصدر رزقها فإنها لا تحبذ الخروج والعمل، بل تحب السهر والجلسات الاجتماعية والأنشطة التي تؤمها سيدات المجتمع والطبقة الوسطى كالمؤسسات الخيرية. لكني أرى أن هذه الأنشطة صورية وليست حقيقية. وهذا يرجع إلى التنشئة. نشأنا كبقية النساء العربيات اللاتي هن على قناعة أنه ما دام لديك ما يكفيك، فلماذا تذهبين إلى العمل. شخصيًّا أصحو من النوم مع أولادي، وأذهب إلى عملي وكثيرات يسألنني هذه الأسئلة، وينتقدنني. لا توجد حياة للعامة وحياة أخرى لمن نشأن في طبقات مخملية. الحياة متشابهة للجميع. الأميرات لا يختلفن عن البقية، وببساطة ليس كل ما يعرف يُقال.
حرية الرأي والانتخاب
* بصفتك أميرة وناشطة في الشأن الحقوقي.. لماذا نجد أن المرأة مغيّبة عن الانتخابات مثل المجلس البلدي؟ وما هي وجهة نظرك في هذا الأمر؟
عندما ينتخب الرجل ما هي فعاليته؟ لماذا على المرأة أن تدخل في هذا المجال؟ المرأة أذكى من الرجل، وتري أن تطور من مجتمعها، وتريد أن يكون المجتمع أكثر فعالية، وهذا لا يوجد في الانتخابات أو وظيفة الذي ينتخب.
حقيبة وزارية
* متى تتولّى المرأة حقيبة وزارية ونراها في مجلس الوزراء؟
أتمنى من الملك عبدالله أن يعطي المرأة هذه الفرصة في عهده، وأرجو أن يكون ذلك قريبًا. سبق لي أن كتبتُ مقالاً ردًّا على الشيح عائض القرني عندما استشهد بملكة سبأ. أرى أن ملكة سبأ لو كانت رجلاً لقامت الحرب بينها وبين سيدنا سليمان، كذلك لو كانت أمانة مدينة جدة في يد امرأة هل كانت ستتصرف هذا التصرف وتبيع مخططات الموت دون رحمة للعامة؟
محاسبة المسؤول
* كيف ترين ملف الفساد المالي والإداري في جدة بعد أن تم فتحه على مصراعيه؟
أنا سعيدة جدًّا لفتحه، وأدعم هذا التوجه في تسليط الضوء عليه. مدينة جدة منذ أن عرفتها وقرأت تاريخها منذ زمن بعيد لم أكن أنظر لها بمرآة الناقدة، أو المفتشة، أو الكاتبة بل كإنسان يعيش فيها. كنت دائمًا أتساءل عن المسؤول عن هذه التشوهات في مدينة جدة؟ مَن هو المسؤول عن تردّي البنية التحتية في جدة. كل ما أسمع عن الميزانيات الهائلة التي تقدم في الخطط الخمسية للبنية التحتية في جدة كمجارٍ ومياه وكهرباء كنت أتساءل: أين تذهب هذه الأموال؟ خلال العامين الماضيين بدأت أكتب عن الفساد في جدة، كتبت أكثر من عشر مقالات عن هذا الموضوع. قبل يومين من إصدار الملك قرارًا بمحاسبة المسؤول كائنًا مَن كان كتبتُ عن هذا الموضوع في صحيفة المدينة، وفوجئت بأن نفس الجملة مستخدمة من المكتب الإعلامي للملك، «محاسبة المسؤول كائنًا من كان». وهذا بحد ذاته شرف لي، ونقطة تحوّل نستطيع الانطلاق منها. لا أقول إننا انطلقنا أو سنتحصل على نتائج فورية. لا زال الوقت مبكرًا على ظهور هذه النتائج لأن المسؤولية لم تتضح بعد، وليست واضحة للعيان. هناك تساؤلات يومية عن مصير اللجنة التي تم تكليفها، وأين النتائج؟ ومن هو المسؤول؟
أنجح المنتديات
* من واقع حضورك لمنتدى جدة الاقتصادي هذا العام.. كيف ترين هذا المنتدى في جولته الأخيرة؟
قد تستغرب من وجهة نظري لأني أعتبره من أنجح الدورات مع قلة الحضور، وبالذات الحضور النسائي وقلة المشاركين ذوي الأسماء الرنانة الذين تعودنا عليهم وعلى دفع الملايين لهم. أرى أن هذه الدورة من أكثر الدورات نجاحًا. قد تسألني: لماذا؟ وأقول لك لأنه عالج القضايا ببساطة وتناول القضايا الحالية التي يعاني منها العالم بتركيز، وليس بتعميم. وكان المشاركون بسيطين. بالمقابل لم تكن للحضور الثقافة الكافية، واكتفى المشاركون بالمشاركة فقط. الحضور النسائي على وجه الخصوص كان ضعيفًا جدًّا وهذا ما استغربته لأن المحاضرين كانوا مثقفين جدًّا. لكن قناعاتي ازدادت بعد هذا المنتدى بأنه إن لم توجد الأسماء الرنانة لا يمكن أن ينجح مثل هذا المنتدى لأن رجال الأعمال وسيداتها يركزون على الهالة أكثر من المضمون. ذهبت في يوم البيئة لأن لديّ مؤسسة تعنى بالبيئة. هذه المؤسسة لها وكالة مؤسسة عالمية معنية بتصريف المياه والمجاري بتقنية صديقة للبيئة، وليست ضارة وتقوم بتنقية المياه بنسبة 80%. أخذت هذه الوكالة لأني مهتمة بالبيئة والتسمم الإشعاعي، والتربة الخالية من الكيماويات، ولي باع في هذا المجال فقد كان لي في إنجلترا مزرعة من هذا النوع. فقد فوجئت عندما عدت للمملكة في سنة 1998م بالأمراض التي نعاني منها في المملكة نتيجة التلوث البيئي الناتجة، وفي السابق لم نكن نعرف هذه الأمراض.
استرقاق المرأة
* لماذا نجد أن المرأة دائمًا ورقة ضغط يستخدمها العالم الخارجي ضد المملكة؟
لأن المرأة هي نقطة الضعف في مجتمعنا. هؤلاء الناس يركزون على نقطة ضعفنا. استغلوا نقطة ضعف المجتمع السعودي تجاه المرأة، واستخدموها ضده، وصارت منطلق قوة لهم. هناك المتشددون الذين ينادون بأن تبقى المرأة في بيتها، وأن تغطي وجهها، وأنها عورة كلها، وأن تكون المرأة في مكان خاص والرجل في مكان خاص، وأن المرأة هي سبب الغواية، وأنها سبب كل المشكلات وسبب الطلاق، وسبب سيول جدة (ضاحكة). لم يتركوا مشكلة إلاّ وجعلوا المرأة سببًا لها. مَن يناصر المرأة يصفونه بأنه علماني. نقطة ضعفنا صارت المرأة فانشغلنا بقفازاتها، وعباءتها الفرنسية والإيطالية، وهل العباءة ضيّقة أم واسعة، أم أن أكمامها طويلة! من البديهي أن يستخدم الغرب هذه النقطة ضدنا؛ لأنها حلقتنا الأضعف.
سيطرة ذكورية
* كيف ترين الإعلام السعودي في الوقت الحالي؟الإعلام الذكوري أم الإعلام النسائي؟
* الإعلام بشكل عام؟
الإعلام بشكل عام ليس إعلامًا.
* ما مفهومك للإعلام الذكوري؟
هو المسيطر؛ وحتى المجلات النسائية التي تُعنى بالنساء لا تديرها نساء بل رجال. هذه في حد ذاتها رسالة. الرجل مسيطر تمامًا على الإعلام السعودي، من منطلق أنا أرى وأنت لا ترين، وأنا آمر وأنت تكتبين. أكتب اسمي، وأنت تختفين. لا توجد حقوق للإعلامية مثل الرجل، لا توجد مراعاة لأوقات العمل مثل الرجل. كامرأة مسلمة لا يوجد لها اعتبار، ويستمر عملها في بعض التكليفات الميدانية حتى الحادية عشرة ليلاً، مع أن لها أبناء وزوجًا. لا توجد مراعاة. الناس كلها تعمل نهارًا أمّا الإعلاميات السعوديات فيعملن ليلاً. لديهن دوامان. لا توجد مراعاة لا في الأجر، ولا في الحقوق. المرأة الإعلامية فقدت كل حقوقها في مجتمع الإسلام. الإعلامي الرجل يأخذ حقوقه بالكامل نتيجة لمحسوبية وأمور معينة. كل مَن يقول لك إن الإعلام حر، فهو يتحدث عن خطوط عريضة لا وجود لها على أرض الواقع. لديّ أمل في الدكتور عبدالعزيز خوجة، وأنا أعرفه شخصيًّا لأني كنت أعيش في المغرب، ولمدة سنتين عندما كان سفيرنا هناك. كان لديّ أمل كبير أن يلجأ لتغيير المنظومة المعروفة عن الإعلام بمجرد تسلّمه مقاليد الوزارة. وما زال لديّ آمال كثيرة في جهاز الإعلام وفي وزير الإعلام والثقافة الدكتور عبدالعزيز خوجة، كما أنني متأكدة بنسبة 100% من أن الملك عبدالله -حفظه الله- قد أعطى الضوء الأخضر لكل الجهات لفرض وتنفيذ القرارات التي صدرت من الديوان الملكي، ولم تجد طريقها للتنفيذ. ستظل هذه القرارات لسنوات إن لم يكن للوزراء نقطة تحول.
رفض االمرأة الذكية
* كيف ترين التأخر في تأنيث المناصب العليا، وبعض المناصب كان من المفترض أن تتولّاها نساء؟
من هذه المناصب الإعلام. السيطرة الذكورية لا تعطي المرأة الحق في بعض المناصب التي يتشبثون بها بأيديهم وأرجلهم، ولا يتركون للمرأة الفرصة كي تصل إلى نفس مستوياتهم.
هناك نقطتان أساسيتان:في المملكة لدينا عقدة المرأة، فهي ليست شريكًا وليست بنفس المستوى الفكري للرجل. هذه هي عقدة الرجل الذي يحب أن يتزوج المرأة الغبية. قليل من الرجال الذين يمكن أن تجلس معه الزوجة، وتتباحث معه كشريك حياة. معظم الرجال في مجتمعنا لا يتقبّل المرأة الذكية، ولا يتقبّل المرأة القائد، ولا يتقبّل المرأة في المناصب.
* هناك مَن يستند إلى الناحية الشرعية؟اذكر لي آية واحدة في القرآن تمنع المرأة من تولّي المناصب؟ هل هناك آية في القرآن بهذا المعنى؟
* وقرن في بيوتكن؟هذه الآية خاصة بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، وليست عامة. حتى القرار في البيت لا يعني عدم القيادة، أو عدم العمل. لكل زمان دولة ورجال. «ربّوا أبناءكم على القرن الذي بعدكم».
لا توجد آية واحدة واضحة في القرآن تقول إن المرأة لا تتسلّم منصبًا.
لذلك فإن الأزهر كانت به قارئات من النساء. أليسوا مسلمين مثلنا؟ هل أتينا نحن من المريخ، أو من زحل؟
ضد الإفتاء
* هل يمكن أن يكون لدينا إفتاء نسوي؟أنا لا أؤمن بالإفتاء بصورة عامة. لا توجد في قاموسي الشخصي كلمة إفتاء. الكل أصبح يفتي.
عندما تفتح التلفزيون تجد كل البرامج في الإفتاء، وكل واحد يفتي بما لا يعلم به. هذا تسبب في صراع للإنسان مع نفسه وقيمه ومجتمعه، وحتى في علاقة الإنسان مع نفسه وأهله ومجتمعه وأبنائه. مساحة التحريم صارت متسعة، والحلال أصبح بسيطًا، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «بشّروا ولا تنفّروا»، و «يسّروا ولا تعسّروا» والقرآن يقول: «إن مع العسر يسرًا» وليس إن مع اليسر عسرًا. الله سبحانه وتعالى ذكر الجنة والنار بنفس الطريقة.
هناك تطرّف في فهمنا للدّين الإسلامي؛ لأننا نتبع الآخر ليفتي لنا. ليس لنا منطق، أو عقل، أو رؤية واقعية للأمور لنقارن بين سيرة خير البرية محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام وبين واقعنا.
قرأتُ كتب كل المذاهب الشافعية والحنبلية والمالكية والأحناف.. وليس فيها ما نحن عليه الآن من تشدّد وتطرّف وغلظة.
* على أي مذهب أنت؟إنني أحترم كل المذاهب، وأقتدي بها، وأتبع ما شرعه الله في القرآن، والسيرة النبوية، وما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وصحابته الكرام، وأتدبر القرآن، وأراجع التفاسير للتأكّد من المعاني.
* هناك رأي متشدّد ضد الرياضة النسائية.. ما رأيك بصفتك مهتمة بهذا الجانب؟لست مجرد مهتمة بالرياضة النسائية، بل أنا ممارسة لها، ومشجعة لها بالدرجة الأولى. الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «علّموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل»، ولم يقل علموا ذكوركم، أو فتياتكم. كذلك كان صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة -رضي الله عنها- وكانت الصحابيات يشاركن في المعارك.
كيف ستشارك الصحابيات في المعركة، إذا لم يكنّ على علم تام بفنون القتال؟ لا بد أنهن مدربات قتاليًا وعلى ركوب الخيل والإبل.
هذه كانت معروفة لديهم كرياضة. نحن أولى في هذا العصر بالرياضة، وذلك لتجنّب كثير من الملهيات التي تهدد شبابنا وفتياتنا.
لا بد أن نصرف نظر الفتيات عن المولات والتلفزيونات، وترهل الأبدان، وضياع القيم الأخلاقية، وملاحقة الأولاد، والبلوتوث، والإنترنت بممارسة الرياضة مثل الرماية وركوب الخيل والسباحة والرياضات المختلفة لإفراغ الطاقات وإشغال الفتيات في المرحلة الانتقالية ما بين سن الطفولة والبلوغ وسن الزواج.
هذه مرحلة خطرة وخلالها يتم الانحراف.
لماذا لا أصرف نظر الفتيات عن هذه الأمور الحرام، وأمنعها من الحلال؟ حرام أن تمنع المرأة من الرياضة. ما يفعله بعض شيوخنا الموقرين من تضييق على الإناث في المملكة يدعو للعجب، ويصرف النظر عن الحلال إلى الحرام. هناك مفهوم خاطئ أو مغلوط لهذه القضية.
الأحاديث المروّية التي لا تتفق مع السيرة النبوية لا آخذ بها بغض النظر عن ضعفها أو قوتها. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول «استفتِ قلبك وإن أفتوك»، والقلب هنا هو العقل.
عنف أسري
* العنف الأسري أصبح ظاهرة موجودة بقوة في مشهدنا المحلي.. لماذا ظهرت في هذا الوقت؟تكشفت بواسطة الانفتاح الإعلامي وهي ظاهرة موجودة منذ قرابة العشرين عامًا. قبل خمسين عامًا، ربما كان العنف الأسري موجودًا لكنه حتما كان حالات فردية، وليس كظاهرة.
أما كظاهرة فنحن نعاني منها من قرابة 20 سنة وكانت مخبأة تحت ستائر الدّين والحرام. زنا المحارم عقوبته معروفة. أشياء بسيطة تخرج من فم الإنسان تجاه أحب الناس إليه وهو يحاسب عليها. هذه كلها تدخل في إطار العنف اللفظي، أو المعنوي، وهو أكثر تأثيرًا على الإنسان من الضرب.
إذا تربى الإنسان على الألفاظ النابية وتحقير النفس، فماذا ستكون حصيلة الأجيال القادمة؟ من الذي سيربي الأجيال القادمة، وكيف سيربيها إذا كان هو نفسه قد تعرض للعنف؟ هناك بعض من الأساتذة جامعات والأكاديميين والشخصيات العامة تجدها تكثر الحديث عن المثل والقيم والأسس التربوية والأخلاق، وبعد ذلك يضرب أسرته، ويعنّف زوجته. هذا واقع في المجتمع.
موقف في الذاكرة
* كنت صغيرة عندما توفي الملك سعود.. لكن ما هي أبرز المواقف التي لا زالت راسخة في ذاكرتك؟موقف واحد أذكره له، وهو ضبابي في ذاكرتي. كان إنسانًا بسيطًا ولم يكن يدور في بالي أنه ملك لأني لم أكن أدري ما تعنيه كلمة ملك. كذلك كان هو يتعامل بطبيعته. كان يجلس مع أطفاله الصغار، وكنا في أعمار متقاربة.
كنا حوالى 12 طفلاً وطفلة، وكان يجلس على الأرض بدون الغترة، وبيده صحن به أكل، وكان يأخذ الملعقة ويدور علينا فردًا فردًا ويضع الطعام في أفواهنا. لم أنس هذا المنظر، ولن أنساه بثوبه البسيط.
كنت مبهورة من طوله لأنه كان بطول مترين، و12 سم وكان عريض المنكبين. هذا المنظر لا يزال باقيًا في ذاكرتي، ومعه الشعور الذي تسلل إلى أعماقي بجلسته تلك. هذا الرجل الإنسان الحنون الأب الذي أعطانا كل شيء.
* لاحظت على جوالك الشخصي صورة الملك سعود؟لست من وضعها على الجوال، بل ابنتي هي من فعلت ذلك. أبنائي عاشقون للملك سعود بقلوبهم وعقولهم ويفتخرون به لأنه يلقب «بأبو الخيرين» ولديهم اعتزاز كبير بهذا الاسم. حكيت لهم كثيرًا من المواقف الإنسانية للملك سعود.
إضافة لذلك فإن والدهم من المدينة المنورة، وأهالي المدينة لديهم ذكريات جميلة جدًّا عن الملك سعود.
كان يجلس مع الأشراف في أماكنهم، وكانوا يحبونه. لهم ذكريات جميلة معهم. جدتهم لأبيهم -رحمها الله- روت لهم هذه الذكريات وهي عزيزة عليهم. فكانت سيرته في قلوبهم دائمًا، وأخبرتهم جدتهم أنه كان يأتي بجنيهات الذهب ويوزّعها على الناس في المدينة المنورة.
هذه الذكريات جعلتهم يحبونه بشدة كجد، وهم يفخرون بانتمائهم لهم. وابنتي تعرف أنني أحب هذه الصورة للوالد، وعمره 25 سنة.
عندما وجدتها في أحد الكتب صورتها لي، وأنزلتها في جوالي، فاحتفظت بها رغم أني أكره حفظ الصور على الجوالات. ولكن محبتي لوالدي، وإرضاء الأولاد هما سبب احتفاظي بهذه الصورة على جوالي.
شخصية بوهيمية
* في المجال الشخصي أرى أنك وعلى غير العادة تزوّجت من خارج العائلة المالكة.. فهل هذا موجود بكثرة وسط أميرات العائلة؟بالتأكيد هنّ قلة. لكن الأمر في الأول والآخر نصيب وقدر من الله سبحانه وتعالى. ربما تقول عني ما قلته عن نفسي من أنني شخصية بوهيمية لا أحب التقاليد، ولا ألتزم بها ولا أتقيّد بالتراث، أو العرف الاجتماعي، أو أي إطار محدد.
ولدت حرة، وسأموت حرة، والإسلام هو من أعطاني الحرية في القبول والرفض، ما دام الأمر شرعيًّا.
ما دام ليس هناك ما يقف ضد هذا الزواج الشرعي، فلماذا لا يكون؟ لا أحب أن أتعامل مع الإنسان كاسم، ولكني أتعامل مع الإنسان كإنسان.
أنا من القلة التي تزوجت من خارج الأسرة بمحض إرادتهم.. في البداية كان من الصعب على إناث الأسرة المالكة أن تتزوج من خارجها. فكنت أنا وبعض من أخواتي من القلة اللاتي فعلن ذلك.
فقد تزوّجت من الأشراف. وقبل خمس سنوات انفصلت عن زوجي بالتراضي، وهذا لم يكن مشكلة أمامي؛ لأني لا أؤمن أن الطلاق عيب أو مذمة، بل هو أمر عادي أحلّه الإسلام. الزواج والطلاق اختيار شخصي كما أنهما قدر.
وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم. البُعد الثاني من الأمر أنه لا بد أن يكون هناك اختلاط بين القبائل: “وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا”.
فجدّي الملك عبدالعزيز -رحمه الله- تزوّج من كل القبائل، وكذلك والدي -رحمه الله-.
أحببت أن أكون واحدة من البادئين بالتغيير كامرأة. كما أنني من المحبين للرسول عليه الصلاة والسلام، ولآل بيته. كذلك أنا دارسة بعمق لتاريخ الأشراف، وتاريخ آل بيت النبوة، وأفتخر بأنني قد تزوّجتُ وأنجبتُ من هذه السلالة الطيبة، وقد أصبح عندي كنز من المعلومات التي لا تُقدّر بثمن لهذه العائلة النبوية ذات الشجرة الطيبة .
مناخ سيئ
* ما هو رأيك في ما تجده سيدات الأعمال من مضايقات في سبيل القيام بأعمالهن التجارية؟لي تجارب، وليس تجربة واحدة. عشت هذا الواقع. أرى أن المناخ العام في المملكة العربية السعودية لا يناسب الرجل ولا المرأة على السواء، والعواقب تواجه كليهما.
وكانت إحدى العوائق للمرأة هو الوكيل.
ولكن كإجراءات تنفيذية، وقانونية فكلنا (في الهوى سوا). المناخ الاقتصادي والاستثماري في المملكة ملوث ببعض القوانين التي تعيق التقدم الاقتصادي والاستثماري.
* ما هي الأسباب؟
نظام العمل والعمال، ونظام التجارة المعمول به منذ عشرات السنين. كيف تريد من أكبر دولة مصدّرة للبترول في العالم، ودخلت المنظومة العالمية، ولكن أنظمتها تنتمي للعصر ما قبل الحجري التي عفا عليها الزمن، فلم يتم تطويرها، أو تحديثها، ولا تزال عقيمة، ولم تنتج شيئًا؟ عندما تريد أن تصدّر، أو تستورد تجد عوائق لا حدود لها، فقد أصبحنا من الشعوب الكسولة التي لا تريد الاستثمار، ولا التصدير، ولا التطوير، ولكن فقط التقليد بدون وعي للجو العام، فأنظمة العمل الموجودة في المملكة لا تواكب العصر، ولا تناسب طموحاتنا، وسرعة التطور الموجود في العالم.
فلا نملك حتى البنية التحتية المفعّلة لقوانين العمل والعمال في وطننا.
أجهزة متهالكة
* في مقالين مختلفين كتبتُ عن وزير الشؤون الاجتماعية، وقلتُ له مصيبة ألاّ يعلم، وقلت إن الدكتور القصيبي يتحدّث أكثر ممّا يعمل.. كذلك هناك مقالات انتقدت فيها بعض الوزراء، فهل كانت هناك ردود أفعال لما كتبته؟نعم. هناك ردود أفعال، وجاءتني مكالمات هاتفية من وزراء ومديري مكاتب يناقشونني في هذه المقالات، ويوضحون لي النقاط المغلوطة، ويذكرون لي بعض المعلومات. وللأسف يضعون نقاطًا ضدهم، وليس لمصلحتهم، ويناقضون أنفسهم بأنفسهم. لا أتحدّث عن أشياء مروية لي، فأنا أتعامل مع الناس مباشرة.
المشكلة أنهم يعتبرون ما أكتبه هجومًا، بينما هو في الواقع توضيح. فقد تحاورت مع نائب وزير العمل، وسألته: هل تعلم أنه تتم رشوة كثير ممّن يرتبطون بمنح التأشيرات. فسألني هل تعلمين اسم واحد من هؤلاء المرتشين فقلت له نعم، فسألني عن اسمه، فقلت له ماذا ستفعل؟ وماذا سيكون الناتج؟ إذا تم فصل هذا الموظف سيرتشي غيره.
عندما نتحدّث عن المشكلة ونبحث عن كيفية حلها، يقولون لك كيف عرفت؟ فلا توجد حلول جذرية.
ولكن رحلة الألف ميل تبدأ بميل. فالملك عبدالله -حفظه الله- يريد القضاء على الفساد.
وقد أصدر قرارات وإجراءات سريعة لتقليل حجم الفساد. فلا بد أن نزيل الفاسد، ونستبدل به الصالح، فعندما نزرع نبتة طيبة في تربة فاسدة، فسوف تفسد بدورها. الخلل ليس في المؤسسة التشريعية، وإنّما في المؤسسة التنفيذية؛ لأنها قد أصبحت أجهزة متهالكة.
* تعرّض موقعكِ الإلكتروني لعملية اختراق.. فما تعليقكِ؟كان اختراقًا كبيرًا، وتم كذلك اختراق بريد القرّاء الذي أراسل فيه الكُتّاب والقرّاء، وأساعد فيه بعض الناس. بعض الحالات تردني، وهذا هو الموقع الذي أتواصل فيه مع مشكلات وهموم الناس.
كثير من مقالاتي كنتُ أدعمها ببيانات من الرسائل التي تردني.
بعض الناس لا يستطيعون أن يبوحوا بما لديهم من معلومات، ولكني أفعل. أقوم بتجميع كل ما يردني، وأصنع منه مقالات.
القرصنة كانت كالماء البارد الذي نزل على رأسي، فجعلني في حالة تجمّد. أحسستُ أنه لا يوجد قانون يحميني. كذلك بقلة أهمية الإنسان، وخصوصياته في مجتمعنا.
أرسلت المقال لوزير الإعلام، وطالبت في خطاب آخر بإصدار قوانين تحمي المواقع، وتحاسب المتطفّلين. ولكن إلى الآن لم يتم أي إجراء حيال هذه القضية المهمة الوطنية.
* كلمة أخيرة إذا كان هناك ما تريدين أن تقوليه، ولم نسألكِ عنه؟أشكر صحيفة “المدينة” على إتاحة الفرصة لي للكتابة فيها. فالمدينة من الصحف التي أفتخر بكتابتي فيها، وهي من الصحف الصريحة في طرحها للأمور، وأحترم جدًا الكُتَّاب الموجودين فيها.
كذلك أشكر الله تعالى أن وصلنا الآن إلى عصر التغيير بقيادة الملك عبدالله -حفظه الله- وبدأ بصيص الأمل يظهر، وبدأنا نرى أشياء جيدة وجديدة، وهذا لا يعني أن الملوك السابقين كانوا أقل رؤية من الملك عبدالله، ولكن الأجواء المناخية لم تكن ملائمة، وإنني متأكدة أن هذا الفجر بدايات جديدة، وأن ستكون قيادتنا ومجتمعنا على مستوى انبلاج هذا الفجر، وأن سننتقل للعالم الأول؛ لأننا لسنا أقل، بل أكثر تقدمًا من الآخرين، بفضل الله ثم مرجعيتنا للإسلام كدين ودنيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق