بسم الله الرحمن الرحيم
الأزهر الشريف
مكتب شيخ الأزهر
نــداء الأزهـر الشريف
لقادة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتقبل الطاعات، والصلاة والسلام على سيد الرسل وخاتم النبوات. وبعـــد:
فإن لقاءً يجمع قادة العالم الإسلامي من الذين يمثلون قرابة ربع البشـرية، في سبع وخمسين دولة من دول العالم المعاصر، وفي أم القرى ورحاب المسجد الحرام، وخلال العشر الأخيرة من رمضان لحدث جليل بالغ الأهمية والخطر، في ظروفٍ عالمية قلقة ومضطربة، وبخاصة في ربوع العالم الإسلامي نفسه، الذي يموج بالمشكلات، والقضايا العالقة والأزمات.
والأزهر الشريف إذ يحمد للملكة السعودية الشقيقة، ولمنظمة التضامن الإسلامي جهودهما المشكورة في عقد هذا المؤتمر، وتنظيم هذا اللقاء الاستثنائي. البالغ الأهمية، يُذكِّر السادة المشاركين جميعًا، أن الأمة كلها تنظر إليهم، وتترقب قرارات جادة وحاسمة، وقابلة للتنفيذ، ومشفوعة بالآليات والأدوات التي تضعها موضع التطبيق، بعيدة عن العبارات العاطفية، والبيانات التقليدية، فليس هذا المؤتمر لقاءً عاديًا، بل هو مؤتمر استثنائي بالغ الخطر والأهمية، في ظروفٍ استثنائية كذلك.
ولما كان " الدين النصيحة " كما ثبت عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - من رواية تميم بن أوس الداري - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الدِّيْنُ النَّصِيْحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابه، ولِرَسُوْلِهِ، وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِيْنَ، وَعَامَّتِهِمْ)) " رواه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه " فإن الأزهر الشريف الذي يُعبِّر عن ضمير الأمة، ومشاعر أبنائها كافة، في هذه الظروف التاريخية الدقيقة، التي تستوجب الصدق والمصارحة، يتوجه إلى أئمة المسلمين وقاداتهم بالنصائح التالية:
أولاً: إن كل من يتابع أحوال العالم الإسلامي المعاصر، ومشكلاته المتتابعة، وما يموج به من أزمات، يعلم علم اليقين أن مردَّ ذلك كله، إلى قضية القضايا، ومنشأ المشكلات والأزمات جميعًا، وهي قضية فلسطين، التي حرصت القوى الدولية - فيما بعد الحرب العالمية الثانية - أن تظل جرحًا نازفًا في جسد الأمة، يتهددها بالأخطار، ويضع مقدساتها في مهب رياح الغدر والبغي والتآمر الرخيص، وغير خافٍ على أحد ما يجري فوق الأرض المقدسة الآن، من تصفية للوجود العربي فيها، وتهويد لكل معالمها، وابتلاع لما بقي من أطرافها - وهو لا يزيد عن عـشرين بالمائة من أرض فلسطين بالاستيطان، وتغيير المعالم والموازين الديموجرافية والمعمارية، حتى طالت أخيرًا " الحرم القدسي نفسه " وليس القدس العربية وحدها؛ إذ ينادي قادة الاحتلال الباغي بتقسيمه بين العرب واليهود - كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي من قبل.
فيا قادة العرب والمسلمين: إن لم نستطع أن نواجه هذا البغي الذي يمثل جريمة صريحة في نظر القانون الدولي والمواثيق المرعية بالقوة الملزمة، فلنسحب المبادرة العربية التي استقبلت أسوأ استقبال، ونشق طريقًا جديدًا يقوم على الشفافية والمصارحة لمواجهة هذه السياسات الظالمة القائمة على فرض الإذعان وقبول الأمر الواقع، على أمة العرب والمسلمين، فإن المشاعر - أيها القادة - مُستَفزَّة، والأخطار مُحدِقة، ولابد من موقفٍ صريح، يجمع الأمة من ورائكم، ويوحد المواقف والصفوف، وأولها الصف الفلسطيني قبل أي شيء آخر.
وثانيًا: إن الأزمة السورية الراهنة التي تتهدد الشعب السوري في وجوده بالاقتتال المستمر طوال عام ونصف العام، وتكاد تتحول إلى حربٍ أهليةٍ ماحقة، أو تقسيم مدمِّر للدولة، كالذي نفذهُ المعتدون في العراق، ليتحول الجميع – لا قدَّر الله – إلى شعوب مسلوبة القدرة والإرادة، حول دولة العدوان الصهيونية، التي يُراد لها أن تسود المنطقة، وتتصرف في مصائرها، والكل يتفرج على الدماء العربية المهدورة دون موقف فعال إلى جانب الشعب المظلوم، يدفع عنه بغي الطغاة الذين فقدوا شرعيتهم بقتل شعوبهم وجحد حقها في الحرية والديموقراطية وتقرير المصير، فعسى أن يكون قراركم بهذا الصدد عمليًا واقعيًا صريحًا، وطوق نجاة للشعب المناضل المظلوم.
وثالثًا: لقد شهدت أجهزة دولية بالأمم المتحدة بما يعانيه إخواننا " الروهنجيون " في دولة ميانمار، من تصفية وتمييز عرقي، وإنكار لهويتهم الوطنية، وطردهم بالتضييق والاضطهاد الجماعي إلى الدول المجاورة، مما قد يصير نموذجًا يتهدد الأقليات المسلمة المتعددة في جنوب شرقي آسيا، لا ترعى فيهم الأكثرية المهووسة بالمشاعر القومية إلًّا ولا ذمة، وتستوجب دواعي المروءة الإنسانية والأخوة الإيمانية والمواثيق الدولية - أيها القادة - إنقاذ إخواننا في هذا الركن من العالم؛ حتى يرتدع هؤلاء الذين يرتكبون ضد مواطنيهم المسالمين جرائم ترقى أحيانًا إلى جرائم ضد الإنسانية.
ورابعًا: إنكم لأدرى بما يعانيه إخواننا في أفغانستان والصومال والعراق ومناطق أخرى، بسبب التدخلات الأجنبية، الصريحة والمقنَّعة، والمسلحة وغير المسلَّحة تحت أغطية كاذبة من نشر الديموقراطية، أو مقاومة الإرهاب، أو أسلحة الدمار الشامل، وما هي إلا المصالح المادية، والمنافسات الدولية. ولكنا عقدنا العزم ألَّا نكون حقلًا لممارسات الطغاة، أو ضحايا لسياسات الاستعمار القديم أو الجديد، فتقدموا الصفوف، بموقفٍ صريح ضد هذه السياسات الباغية.
أيها القادة: إنكم لتعلمون أن مشاكلنا الأخرى " كالتطرف " الذي صنعوه وغرسوه بيننا، والذي هو صدى لمظالمهم، وانحيازهم الأناني الجائر، قد صار مشكلة عمت بها البلوى، وضاقت بها الصدور، ولكن الحكمة السياسية، والنظرة "الاستراتيجية" تستدعي علاجًا لا يقتصر على القوة وحدها، بل يستخدم الفكرة الأصيلة الصائبة في مواجهة الفكرة المجلوبة الباطلة، وكثيرون منكم يعلمون جهود الأزهر بفكرهـ الوسطي ومنهجه المتكامل المعتدل في هذا المجال، والله – تعالى – يقول : {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }{5/2}
أيها الرجال الكرام:
إننا إذا ندعوا لكم مخلصين، في هذهـ الأيام التي تفتَّح فيها أبواب الرحمة والقبول، نذكِّركم – مرة أخرى – أن النفوس قلقة، والمشاعر مستفزَّة، والأخطار محدقة، والتاريخ يسجل المواقف، والشعوب أصبحت حكمًا لا يمكن خداعه أو تهميشه. والله فوق الجميع رقيبٌ وحسيب. فالله معكم هاديًا ونصيرا، وهو ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم – من إخوانكم علماء الأزهر وشبابه ورجاله - ورحمة الله وبركاته ؛؛؛
تحريراً في مشيخة الأزهر:
25 من رمضان ســـنة 1433ﻫ
ا
لمــــــوافـق : 13من أغسطـس سـنة 2012
شـيخ الأزهـر أحمــــدمحمــدالطـــيب