«الرياض» في «سجن النساء في الملز» تنقل تفاصيل المعاناة والخوف من
ردة فعل المجتمع
سجينات ينتظرن «الحكم»!
"الرياض،
تحقيق- أسمهان الغامدي "جريدة الرياض"الإحد،16 ديسمبر / كانون الأول، 2012
هي اللحظة التي
لا ينفصل فيها القدر عن الواقع، ولا يمكن أن يكون، بل أكثر من ذلك هي اللحظة التي
تستسلم فيها النفس وتنقاد رغماً عنها إلى النهاية.. تنتظر، تترقب، تبحث عن أمل،
وتبقى مع هذا «شاهدة عيان» على الحقيقة التي خرجت من «رحم التوقعات»، ومخاض
«الجهل، والتسيّب، والتساهل»؛ لتلقى الحرية مصير قيدها خلف القضبان، وأغلقت معها
ستارة المشهد على السواد.
تتأخر محاكماتهن لكثرة القضايا المنظورة وتباعد
مواعيد الجلسات رغم ما يقدم لهن من برامج تأهيل
سجن النساء في
الرياض يروي للزمن، والحياة، والمستقبل قصصاً وتجارب وعبراً لا تتوقف عند تلك
اللحظة، أو «الصدمة»، ولكن تسري بك إلى «سماء وعيك»، وتعرج فيك إلى علو المشهد؛
لترى التفاصيل، وتعرف كيف تكون النهاية مؤلمة لمن أراد أن يكون كذلك، واختارها عن
جهل أو قصد..ولكن يبقى أن ندرك حجم العمل المنجز في الداخل توعية وتأهيلاً ودعماً،
وكيف تسعى إدارة السجن إلى أن تقدم ما هو أفضل لتفتح «ستارة الحرية» على الأمل من
جديد، ويبقى دورنا في المجتمع أن نصفق للمشهد الجميل حين تختلط فيه دموع الندم مع
الفرح، وتتسامى فيه الجراح لتسامح الذات والآخرين وتنطلق إلى ذات اللحظة التي
توقفت عندها يوماً لترسم البداية وليس النهاية.
«الرياض» كانت
في سجن النساء في الملز، ونقلت القصص -بحسب رواية السجينات،فكانت هذه التفاصيل..
انتظار الحكم!
في البداية قالت
النزيلة "زهرة " -بصحبتها طفلها الرضيع-: كنت ذاهبة أنا وصديقتي لأحد
المجمعات التجارية مع سوّاق ابن خالتي، ثم طلبنا منه التوقف أمام أحد مطاعم
الوجبات السريعة، وخلال انتظارنا للطلب؛ توقفت سيارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر وفتّشت السيارة، حيث وجدت قارورتي مسكر تخصان السائق، مضيفةً أن الهيئة
اصطحبتهم جميعاً، ثم أحالتهم إلى مركز الشرطة بتهمة الترويج، مبينةً أنه اتضح فيما
بعد أن السائق مراقب منذ فترة هو وصديق له، مشيرةً إلى أنه اعترف وصديقه بأن لا
علاقة لهن بالقضية، لكن يجب أن يأمر القضاء بإطلاق سراحنا، حيث أمر القاضي بإعادة
النظر في القضية، ولا نزال منذ (سنة وثمانية أشهر) ننتظر الحكم، مشيرة إلى أن
مشكلة التأخير في المحاكم هي مواعيد جلسات الحضور إلى المحكمة، مشيدة بالبرامج
التأهيلية داخل سجن النساء في الرياض، داعية إلى دعمها، وتحديداً البرامج التي
تؤهل إلى سوق العمل.
شيكات من دون رصيد
بينما كانت قصة
المواطنة "جواهر-33 عاماً- مختلفة؛ فهي مسجونة في قضية مطالبة مالية، وتعود
قصتها لتجارة كانت تمارسها بمباركة أسرتها ووالدها وزوجها، حيث تعرضت لأزمة مالية
أجبرتها على أن تدخل شراكة مع مجموعة من التجار؛ لكي تستطيع الوقوف على رجليها،
وكتبت لهم شيكات من دون رصيد؛ لضمان الحق وبعلم الشركاء بمبالغ متفرقة قُدرت
ب(737) ألف ريال.
وقالت:"حدث
مشاكل بين والدي وزوجي بعد ضائقتي المالية؛ مما دفع زوجي إلى إخفائي عن أهلي
وتأجير شقة لي خارج مدينة الرياض؛ فبلغت أسرتي عن اختفائي؛ مما جعل شركائي يظنون
هروبي؛ فاشتكوني!"، مشيرة إلى أنه تم القبض عليها وهي حامل في الشهر الثالث،
وسجلت تهمتها في المحضر الأول نصب واحتيال، وبعد مثولها لوزارة التجارة وللقاضي
أسقطوا عنها التهمة، وذلك لأن الشركاء كانوا يعلمون بأن الشيكات فقط لضمان الحق،
وبقي عليها السداد وتخرج.
وكشفت
"جواهر" عن مدة سجنها حتى الآن (سنتين وعشرة أشهر)؛ لعدم وجود من يسدد
عنها وصعوبة إجراءات معاملة المحكمة في استخراج صك إعسار، وتخلى عنها من حولها بعد
أن أجبروا زوجها على طلاقها، موضحة:"بقيت هنا وحيدة لا يزورني إلاّ والدتي
وأولادي (١٤ سنة و١٢ سنة وعشر سنوات) وعمي؛ بسبب سوء حالتي النفسية أجهضت
طفلي!".وأضافت:"ساءت حالتي النفسية في رمضان وكدت أن أخضع للعلاج النفسي،
إلاّ أن قوة إيماني كانت أقوى من أن أخضع لأزمة"، منوهة بوقوف منسوبات السجن
وأخصائياته اللاتي كنّا لها خير سند ومعين في تجاوز أزمتها النفسية، إلى جانب
البرامج والفعاليات التي ساهمت في انشغالها كثيراً عن التفكير المستمر في مصيرها،
خاصة وأن القضايا المالية لا يشملها العفو الملكي.
وأشارت إلى أنها
خائفة كثيراً من نظرة المجتمع بعد خروجها من السجن، وكيف سيكون وضعها مادياً
واجتماعياً، حتى أبناؤها قد تخسرهم؛ بسبب نظرة المجتمع، مطالبة أن تُعطى مهلة لمدة
سنة واحدة كي تستطيع أن تسدد لو ربع المبلغ أو يسمح لها بممارسة العمل من داخل
أسوار السجن؛ فبقاؤها لن يمكنها من السداد خاصة مع تخلي الكثيرين عنها!.
سداد ديون
أما
"فايزه" -سيدة أعمال منذ 28 عاماً-؛ فلها قصة أخرى ترويها من خلف
القضبان ولا تزال منذ ستة أشهر، قائلة:"لدي مؤسسة بيع وشراء في العقار
بالتقسيط، وتأخرنا على عدد معين من العملاء، وحصل أن شركة منافسة سرّبت للعملاء عن
طريق موظفة عندي أني نصبت عليهم، وبلّغوا عني شرطة السليمانية، وأني سأهرب
بأموالهم إلى خارج البلد، وتم القبض علي وأحضروني للسجن، واتضح لهم أن جوازي منته
ولم يتجدد منذ فترة".
وأضافت
-مبتسمة-"إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه، وبعض العملاء يدعون ما ليس لهم،
واستطعت أن أثبت هذا من خلال أوراقي التي أحضرها أبنائي لي بعد عناء، وتوقفت كل
أعمالي وساءت سمعة مؤسستي، وأنا أدفع إيجارات من دون عمل، وكذلك لدي عقارات لم
تنقل ملكيتها لي حتى الآن؛ بسبب وجودي تقدر ب١٩ مليون ريال وللأسف العملاء لم
يسددوا لأني في السجن، وحتى اليوم أرغب أن أعمل وكالة لوالدتي وشقيقي كي يتابعوا
حلالي، ولكن صعوبة وجود كاتب العدل كانت عائقا أمامي!".
خوف يتيمة!
قضية المواطنة
"نورة" كانت مختلفة عن غيرها، وهي دفن ابنها الأصغر بإثبات أخيه الأكبر
منه، وتعود التفاصيل التي روتها إلى أنها تربت في دار أيتام بعد وفاة والدها إلى
أن تزوجها ابن عمها، وأنجبت منه أربعة من الأبناء حتى توفاه الله؛ فعادت للدار كي
يصرف لها شهريا مبلغ (3500) ريال، ويصرف لها من الضمان (2000) ريال.
وقالت:"بالنسبة
لي مبلغ أكثر من رائع واستطعت أن أوفر لأبنائي منه حياة كريمة؛ فتقدم رجل لخطبتي
ولكن خوفي على الخمسة آلاف كان أكثر، وذلك لأنه رزق أبنائي؛ فقبلت الزواج منه
شريطة أن يكون على ورقة وبدون توثيق بشهادة ابني الأكبر 19 عاماً وأخي، وبعد مرور
عام أنجبت منه طفلي عبدالعزيز".
وأضافت:"الدار
كانوا يعملون زيارات مفاجئة؛ فاضطررت أن اترك ابني عبدالعزيز عند والدتي، وأثناء
لعبه سقط عليه القدر وداخله ماء مغلي فانحرقت رجلاه، وأخذت ابني للمستشفى ببطاقة
أخوه الأكبر من زوجي الأول كي أعالجه، وهناك توفى عبدالعزيز، وهنا اضطرت أن أكمل
إجراءات استلام الجثمان والدفن ببطاقة ابني الأكبر، وأعطوها شؤون الوفيات ورقتين
إحداهما لأمر الدفن والثانية كي تسلمها للأحوال المدنية حتى يتم إسقاط الاسم،
ووضعت الورقة التي من المفترض أن أسلمها للأحوال بشنطتي ولم أنوي تسليمها؛ فأنا
أعلم أن ابني حي يرزق، وبعد الدفن عاد من يبتزني، وعندما يأسوا تم إبلاغ الشرطة
عني بعد أن سحب "برنت" من المستشفى، وعندما علمت ذهبت أنا وسلمت
نفسي".
وأشارت إلى أنها
تنتظر محاكمتها منذ ستة أشهر، ولا تعلم ما هو مصيرها ولا مصير أبنائها الأربعة،
خاصة بعد أن تخلى عنها زوجها الثاني، وذلك لعلمه المسبق عن نظامية زواجهم،
موضحة:"الخمسة آلاف اللي كنت خايفة عليها راحت، وحياتي ضاعت، وبيتي وأثاثي
اللي سنوات أجمعه أنسرق، وكل ما أريده هو حكم القاضي لأرتاح!".
** في نهاية
الجولة وقفنا على العديد من القصص المتعلقة بالجوانب الأخلاقية والمالية والنظامية،
وكثير من الحالات المتأخرة في المحاكم، واكتظاظ السجن بالنزيلات اللاتي ينتظرن
حكمهن بعد تأخر مواعيد جلساتهن!.
طبقوا قرار المحاكم داخل السجون..!
تقمصت المديرية
العامة للسجون دورالأم الحانية والمحتضنة، حيث حرصت على متابعة قضايا النزلاء
والنزيلات والتعقيب عليها كل 15 يوما، خاصة وأن المقام السامي أمر بأن تكون معاملة
النزلاء والنزيلات من أولويات الجهات الحكومية. وتسعى إدارة السجون تنفيذ التوجيه
السامي بإنشاء محاكم داخل السجون، وذلك لتسريع المحاكمات، وحتى لا يضطر السجين
للذهاب والإياب بالسلاسل والقيود إلى المحاكم، إلى جانب تكاليف نقلهم، وحراساتهم،
وتوزيعهم، وإعطاء وزارة العدل أراضٍ بجنب السجون أو داخلها، ولو لزم الأمر حسب
التوجيهات السامية يتم نزعها حتى لا يكون هناك تعثر في قضايا السجناء.
وحتى تخفف إدارة
السجون من وطأة الألم؛ فقد استحدثت العديد من البرامج والفعاليات المتنوعة، ووظفت
كادرا متكاملا من الأخصائيات النفسيات والمرشدات الاجتماعيات والداعيات والمدربات
التنمويات، وخصصت عيادة متكاملة داخل كل سجن؛ لتتلقى النزيلات الرعاية الصحية
الكاملة دون أن تصاب إحداهن بأذى، ويتم في العيادة وضع مواعيد العلاج لتأتي النزيلة
وتتناول علاجها أمام الطبيبة دون أن يترك مع النزيلة، كما وفرت معامل للحاسب
ومشغلا للتصاميم الفنية والمهارات اليدوية والخياطة النسائية، ومشغلا خاصا لتنسيق
الورد وكيفية تجميعه، وقاعة أخرى للمحاضرات والفعاليات، إلى جانب الفصول الدراسية
التي تخضع لإشراف وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، فيما تتلقى النزيلات
تعليمهن ابتداء من محو الأمية وحتى مرحلة الدراسات العليا.
تأهيل واحتواء لمرحلة ما بعد السجن
أوضحت الأستاذة
"ليلى الزهراني" - مديرة الإصلاح والتدريب في سجن النساء - أن برامج
السجن التدريبية تخضع لمظلة التدريب التقني والمهني، وبشهادات معتمدة، وتشمل
السعوديات من خياطة وتفصيل وأشغال فنية يدوية، ودورات كمبيوتر، مشيرة إلى إمكانية
الإفادة من النزيلات الأجنبيات ذوات المهارات المرتفعة في تدريب النزيلات.
وقالت:"يبقى
حفظ القرآن الكريم له الأولوية، حيث تأخذ النزيلات مكافآت مالية كنوع من التشجيع،
وهناك عفو خاص لحفظة كتاب الله، ولكن لا يشمل قضايا المخدرات، كما يوجد مكتبة
بجميع اللغات توضح تعاليم وقيم الإسلام، ومن خلال هذه المكتبة أسلمت العديد من
النزيلات".
وأضافت:"نعمل
فعالية كل ثلاثة أشهر تشمل العديد من الدورات والتجهيزات والفقرات، ومسابقات حفظ
القرآن والسنة، ونترك المجال للنزيلات كي يرتبن الفعاليات ويقدمن مقترحات للأنشطة،
كما لدينا توجه لإضافة دورات اللغة ضمن برامجهم التأهيلية".
وأشارت إلى أن
عملهن لا يقتصر على التدريب فقط، حيث نشأت بيننا وبين النزيلات علاقة أسرية أشبه
ما تكون بعلاقة الأم بابنتها؛ فأصبحنا نعرفهن ونعرف ماذا يردن وماذا ينقصهن وكيف
نسيطر على موجات غضبهن المفاجئة.