الاثنين، 19 يونيو 2017

الفساد والإفساد

"من مقالات سمو الأميرة" نشرت بتاريخ الاثنين، 25 مايو، 2009



بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز آل سعود*
©جميع حقوق التأليف و النشر محفوظة للأميرة بسمة
عندما أتحدث عن الفساد عامة ، فإنني أتطرق إلى عالم بأكمله، فلا يوجد على وجه هذه المعمورة منطقة لا يوجد بها هذا الداء .
فهو موجود في حياتنا في كافة مجالات التعامل الشخصية والاجتماعية والإدارية .منذ بدء الخليقة ونحن نحارب الفساد ، فها هو أبونا آدم عليه السلام قد سمح للشيطان أن يفسد عليه عيشته الرضية في الجنة ، وبها بدأت قصة كفاح طويل بين بني آدم وبني الشيطان . لننظر لواقعنا الأليم ، هل توجد في مؤسساتنا    ( إلا ما رحم الله) جهة لم يستشرِ فيها الفساد ؟
هل يوجد بيت لم تتغلغل به خيوط الشيطان من فتن داخلية وخارجية ؟
فهذا واقع ولا بد من رؤيته بكل وضوح، والاعتراف به بكل صدق.أما الإفساد فهذا موضوع آخر وأخطر من الأول ، فالإفساد هو وجود النية للتخريب المقصود للآخر ، وهم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع ، وهم المفسدون .
وهنا الحديث يطول ويتشعب ، وأعني وبكل صراحة قنوات التلفزة العربية التي بعضها تبث من قبل بعض أبناء وطننا لإفساد أبناء الوطن العربي وعولمتهم ، عندما أتأمل هذه القنوات أشعر وكأنهم يتسابقون على من يقدم الأقبح ، والأفظع ، والأجرأ .ونحن لا نحرك ساكنا نتشرب الفساد مثل إسفنج البحر بدون تعليق . . . من المسؤول عن إفساد مجتمعاتنا الإسلامية والعربية؟
فها هنا يوجد فارق شاسع بين أن تبث أفلاما خليعة وبرامج سفيهة ، ومسلسلات فاسقة عبر قنوات أصحابها مسلمون متعلمون ، معروفون اجتماعيا ، لهم مواقعهم في المجتمع الدولي ، ويتحملون مسؤولية فساد مجتمعات إسلامية بأكملها وأجيال ناشئة وصاعدة حول العالم ، بل أجيال سابقة لم تكن ترى وتسمع وتعي بأن يوجد في هذا العالم فساد أكبر من استيعابهم للأمور ، فهي مفسدة للدين والدنيا ، وبين قنوات يهودية أمريكية مبدأها وعيشتها وواقعها هو الفساد بكل ألوانه وأطيافه.
تخيل عزيزي القارئ أن رجلا في أعلى جبال تهامة ، لا يعرف من الدنيا إلا جبله وربه وعمله . .
في الخلاء يتعرض لمشاهدة ما تبثه هذه القنوات من أفلام ومسلسلات وبرامج تهيج شهوات لم تكن لديه ولم يعرف بوجودها ، تخيلي عزيزتي القارئة الزوجة والأم والأخت أو الابنة أن تتعلم مبادئ حياتها من المشاهد الساخنة والمبادئ المبتذلة والعادات الفاجرة ومشاهداتها البذيئة لهذه القنوات ، التي تعتبر في مجتمعاتنا الآن شرا لا بد من وجوده، تخيل أن بكبسة زر تنتقل من رقص وخلاعة إلى قناة دين تابعة لنفس المالك ؟
فهذا دليل على الازدواجية وتمرير رسائل إفسادية للمسلمين بان تقدر أن تكون فاسدا ومفسدا ومتدينا في وقت واحد. صدق الرسول الكريم حين قال: إن الإسلام بدأ غريبا ، وسينتهي غريبا .
للأسف يوجد انفصام بين قناعاتنا وأفعالنا ، فقناعتنا هي بالدار الآخرة، لكن أفعالنا أكثرها للدنيا ، ولم يكن عند أسلافنا هذا الانفصام ، فقناعاتهم كانت للآخرة وعملهم كان لها، ويرون أن ذلك عين العقل والحكمة ، قال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا ذهبا يفنى، وكانت الآخرة خزفا يبقى لوجب على العاقل أن يختار الخزف الباقي على الذهب الفاني ، كيف إذا كانت الدنيا هي الخزف الفاني والآخرة هي الذهب الباقي ، بهذه النظرة الصحيحة إلى الدنيا والآخرة صلح حال أسلافنا فصلحت لهم الدنيا وانقادت لهم الأمم.
همسة الأسبوع:
"القابض على دينه كالقابض على جمر"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق